عظة أحد تجديد البيعة - التفسير.

عظة أحد تجديد البيعة - التفسير.

الأعمال التي أعملها باسم أبي تشهد لي (يوحنا ١۰ : ٢٢ - ٤٢).

قال يوحنا الرسول: حان عيد التجديد في أورشليم, وكان فصل الشتاء. وكان يسوع يتمشّى في الهيكل, في رواق سليمان. فأحاط به اليهود وأخذوا يقولون له: "إلى متى تُبقي نفوسنا حائرة ؟ إن كنت أنت المسيح, فقله لنا صراحة". أجابهم يسوع: "قلته لكم, لكنكم لا تؤمنون. الأعمال التي أعملها أنا باسم أبي هي تشهد لي. لكنكم لا تؤمنون, لأنكم لستم من خرافي. خرافي تسمع صوتي, وأنا أعرفها, وهي تتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية, فلن تهلك أبدا, ولن يخطفها أحدٌ من يدي. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل, ولا يقدر أحدٌ أن يخطفها من يد الآب. أنا والآب واحد".

تفسير الإنجيل:
هناك صلة بين سنة طقسيّة انتهت بزمن ما بعد الصليب وانتظار مجيء الرب في نهاية الأزمنة, وبين سنة طقسيّة جديدة تبدأ مع زمن الميلاد أو زمن المجيء. أما موضوع تأملنا هذا الأسبوع فهو البيعة أو الكنيسة. كنيسة الحجر التي تجمعنا, وجماعة الرّعيّة التي نشاركها صلواتنا.

1- عيد التجديد: جاءنا هذا العيد من أورشليم, قبل زمن المسيح. تاريخه قديم منذ أيّام سليمان: حين انتهى من بناء الهيكل خلال القرن العاشر ق.م., قام بعمل التدشين. كرّسه للمرةّ الأولى ليكون الموضع الذي فيه يتم تقديم الذبائح وحرق البخّور ولقاء المؤمنين بالرّب. ولكنّ العيد لا يكون للحجر ولا لخشب الأرز, ولا للذهب والفضّة. بل يكون للإله الذي نأتي إليه بقلب خاشع نمجّده وصلاة متواضعة ونداء التوسّل وطلب الغفران. والتجديد لا يكون في البناء إذا احتاج إلى إصلاح, بل يكون في البشر بعد أن دعانا بطرس الرسول"حجارة حيّة في بناء مسكن روحيّ". كما اعتاد الرب في بداية الخلق أن يتمشّى مع آدم في الجنّة, كذلك يسوع. ففي كلّ بداية, نطلب معونة الرب الذي منه كلّ مبادرة. هو الراعي الذي يسير في مقدّمة القطيع فيكون المثال لرعايانا ولكل مؤمن. رفقتنا تكون معه, بحيث لا نطلب مجدنا بل مجده.

2- تجمّع اليهود حول يسوع: ذاك هو عيد التجديد. يجتمع الناس حول يسوع لسماع كلامه واعلان إيمانهم به. أما في إنجيل اليوم, نجد الناس حائرون: من هو هذا الشاب الآتي من الناصرة, تلك القرية المنسيّة؟ وها هو يقول كلاما لا نفهمه, ويعمل أعمالا لم يعملها الأنبياء في شعبنا. يطلبون الصراحة والكلمة التي تفرض نفسها, وكأنّهم يطلبون آية من السماء. غير أنّ يسوع لا يتصرّف بهذه الطريقة. بل يُبقي لنا الباب مفتوحا, ونحن الذين نقرر أن ندخل أو لا ندخل. في أي حال, يأتي وقت يُقفل فيه الباب ويبقى المتحيّر المرتاب خارجاً.

3- أنا والآب واحد: سألوا يسوع إن كان هو المسيح. لو كانوا من خرافه لعرفوا أنه المسيح, كما أعلن بطرس باسم الرسل: "أنت المسيح ابن الله الحي". سألوا يسوع ولكنهم لم يصدّقوه. سألوه ولكنهم لم يقبلوا شهادته. ليست القضيّة قضيّة اقتناع عقلي. فالإيمان يتجاوز العقل الذي يُحلّل ويجادل. ذاك كان موقف التلاميذ: إتبعوني. فتركوا كلّ شيء وتبعوه. وسوف يكتشفون شيئا فشيئا أنه المسيح الماضي في طريق الآلام والصلب وصولا إلى القيامة. لا شكّ في أنّ صعوبات كثيرة برزت بسبب الأفكار المسبقة التي عرفوها عن المسيح الآتي: سوف يحطّم الأعداء ويقيم مملكة زمنيّة... ولكن مملكة يسوع ليست من هذا العالم.

تلك تكون مسيرتنا في بداية هذه السنة الطقسيّة. نجدد استعدادنا للتعرّف على يسوع وقبوله في حياتنا, وفي كنائسنا وجماعاتنا, ونعمل على نقل بشرى الإنجيل لإخوتنا وللذين نلتقي بهم... لقد وجدنا المسيح مخلص العالم.

نشكرك أيها الآب القدّوس, لأنك تدعونا في مطلع هذه السنة الطقسيّة لنتجدّد بتناول جسد ابنك وسماع صوته, هو الراعي الصالح الذي يعرف خرافه وخرافه تعرفه. نشكرك أيها الرب يسوع, لأنك جدّدت بمحبّتك, بيعتك المقدّسة. نشكرك لأنك تسهر عليها دوما وتحفظها من كلّ شرّ وتثبّتها في الإيمان القويم. نشكرك على كلّ عطاياك, ونرفع لك آيات الحمد والتسبيح الآن وإلى الأبد. آمين.