الموعظة على الجبل - الجزء الرابع
صفحة 1 من اصل 1
الموعظة على الجبل - الجزء الرابع
الصلاة
»وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلَا تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلَانِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لَا تُكَرِّرُوا الْكَلَامَ بَاطِلاً كَالْأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلَامِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلَا تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لِأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ«.
ف»َصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الْأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُّوَةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ«.
»فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، لَا يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلَّاتِكُمْ« (متى 6:5-15 ).
الصلاة هي أهم فرائض الدين، فلكي تعرفوا روح الصلاة المقبولة ومضمونها ونسقها، أعطيكم نموذجاً تقيسون به صلاتكم على الدوام.
إن أمعنتم النظر في هذه الصلاة النموذجية تلاحظون أن روح المصلي يكون روح البنوّة لله، لأنه يخاطب الله كأب، ويعظم المحبة المتبادلة بين هذا الآب السماوي وأولاده، ويعظّم أيضاً الطاعة له، والاتكال عليه لأجل احتياجاته كلها. وهو يعظم العلاقة المتبادلة بين أولاده. حتى أن ما يريده المصلي لنفسه يريده للآخرين أيضاً، لأن روح البنوة لله يستلزم روح الأخوَّة للناس. فيصلي المسيحي لا »أبي« بل »أبانا«. ولا يطلب غفران الآب لنفسه إلا ويقدم لإخوته غفرانه على سيئاتهم نحوه. فأقصد أن أعلّمكم جيداً حقيقة أبوية الله للبشر وأخوَّة البشر لبعضهم البعض، لأن معلمي الدين قد أهملوا هذه الحقيقة الجوهرية ولم يوضحوها في الماضي كما يجب.
ترون في هذه الصلاة روح الدالة البنوية، وروح المحبة الأخوية، كما ترون روح العبادة التقوية، لأن يوم الله وكتابه وبيته ورجاله (خدام الدين) وكنيسته كلها مقدسة، بسبب نسبتها إليه. وقد ذكرت لكم في هذه الصلاة طلب النجاة من الشرير. هذا الطلب هو اعترافٌ بقوة الشيطان العظيمة وسطوته على البشر، وبأن لا نجاة منه لأحد إلا بقوة إلهية تنقذهم. وأعلنت لكم جلياً في خاتمة هذه الصلاة، كما في فاتحتها، أن على المصلي أن يقدّم أمور الله على أموره، لأن الله هو الكل وفي الكل، فله وحده الملك والقوة والمجد.
علَّمتكم في هذه الصلاة اختصار الصلاة وبساطتها، لأن روح النبوَّة والأخوَّة والعبادة فيها تقضي بذلك. وبما أنني لم أدخل بعد على وظيفتي الشفاعية، فلم اضع اسمي فيها، مع أنه بعد صعودي تقدّمون صلاتكم إلى الآب باسمي. ولم أذكر فيها الروح القدس، لأنه لم يُعْطَ بعد للناس على كيفية تستطيعون الآن أن تفهموا ما يُقال فيه.
المؤمن وحب المال
»لَا تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى الْأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لَا يُفْسِدُ سُوسٌ وَلَا صَدَأٌ، وَحَيْثُ لَا يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلَا يَسْرِقُونَ، لِأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضاً. سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّراً، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلَاماً فَالظَّلَامُ كَمْ يَكُونُ!
لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الْآخَرَ، أَوْ يُلَازِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الْآخَرَ. لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللّهَ وَالْمَالَ« (متى 6:19-24).
أحذركم كل التحذير من حب المال، وأذكركّم أن كنوز العالم فانية، ولن تبقى إلا الكنوز السماوية. وما أسعد من تعلق قلبه بالسماء لا بالأرض، فلذلك يتسهَّل له الصلاح. وأما إن ساد في قلبه حب المال، فيستحيل عليه أن يحب الله كما يجب. والكنز في السماء هو ثمر ما يعمله الإنسان ويبذله في سبيل خير الناس، حباً بالله.
لأنكم نور العالم يستنير بكم غيركم من البشر، كما يستنير بواسطة العين الصحيحة. فإن فقدتم أنتم الصلاح، فكم بالحري يفقده الذين ليس لهم وسائط الصلاح مثلكم؟ ومن الأمور المطلوبة منكم لتنيروا على الآخرين أن تتكلوا تماماً على الآب السماوي في أمر حاجاتكم الزمنية. إن عناية الله بمخلوقاته واضحة في طيور السماء التي ترفرف وتغرد فوق رؤوسكم، وفي الأزهار التي تزهو تحت أقدامكم. فكيف لا يعتني الله بالذين خلقهم على صورته، وهم أولاده؟ فإن كل ما في الجو من فوق، وكل ما على الأرض من أسفل، يشهد فعلاً لعنايته بما قد خلق. وما دام يعتني بأدناها، كيف يمكن أن يهمل أسماها؟ الذي وهب الجسد العجيب لا يبخل بالكساء الزهيد، والذي وهب الحياة الثمينة لا يتأخر عن تقديم القوت الرخيص لأجل حفظها. صحيح أن الإنسان يجب أن يهتم بالحاجيات الجسدية، لكنه يجب أن يفعل ذلك وهو متكل على عناية الآب السماوي، وهكذا لا يكون نهباً للقلق، ويجيء اهتمامه بالماديات بعد اهتمامه بالأمور الروحية - لا قبلها ولا فوقها - فما هي فائدة الإنسان لو لم تساعده العناية الإلهية؟ فإذاً ملجأكم في الدرجة الأولى هو هذه العناية لا اهتمامكم أنتم. وكيف تتفوَّقون على غير المؤمنين إن كنتم تهتمون بالدنيويات كما يهتم الوثنيون؟ أقدِّم لكم أعظم نصيحة عندي وأحلاها: »أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تُزاد لكم«.
لا تدينوا
»لَا تَدِينُوا لِكَيْ لَا تُدَانُوا، لِأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلَا تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لِأَخِيكَ: دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ. يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ! لَا تُعْطُوا الْمُقَدَّسَ لِلْكِلَابِ، وَلَا تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلَّا تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ« (متى 7:1-6).
ثم أوصيكم أن لا تكونوا من الذين يدينون بعضهم بعضاً، فالحكمة تنهَى عن هذا، لأن الناس يعاملونك كما تعاملهم. فالذي يكشف عيوب الناس تكشف الناس عيوبه وهلم جراً. الميّال إلى دينونة الآخرين يكون مدفوعاً من الافتخار والانتقام، فيُذمُّ افتخاراً أو انتقاماً. والأغلب أنه ظالم في الحالتين، لأنه يرى عيوب الآخرين، لا كما هي، بل مكبّرة. ويرى عيوبه هو لا كما هي، بل مصغَّرة. والمُخطئ لا يقدر أن يصلِح الأقل عيباً منه، فيصحُّ القول: »يا مرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى الذي في عين أخيك«.
أسألوا تعطوا
»اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزاً، يُعْطِيهِ حَجَراً؟ وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً، يُعْطِيهِ حَيَّةً؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلَادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ. فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لِأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالْأَنْبِيَاءُ« (متى 7:7-12).
»وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلَا تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلَانِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لَا تُكَرِّرُوا الْكَلَامَ بَاطِلاً كَالْأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلَامِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلَا تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لِأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ«.
ف»َصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الْأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُّوَةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ«.
»فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، لَا يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلَّاتِكُمْ« (متى 6:5-15 ).
الصلاة هي أهم فرائض الدين، فلكي تعرفوا روح الصلاة المقبولة ومضمونها ونسقها، أعطيكم نموذجاً تقيسون به صلاتكم على الدوام.
إن أمعنتم النظر في هذه الصلاة النموذجية تلاحظون أن روح المصلي يكون روح البنوّة لله، لأنه يخاطب الله كأب، ويعظم المحبة المتبادلة بين هذا الآب السماوي وأولاده، ويعظّم أيضاً الطاعة له، والاتكال عليه لأجل احتياجاته كلها. وهو يعظم العلاقة المتبادلة بين أولاده. حتى أن ما يريده المصلي لنفسه يريده للآخرين أيضاً، لأن روح البنوة لله يستلزم روح الأخوَّة للناس. فيصلي المسيحي لا »أبي« بل »أبانا«. ولا يطلب غفران الآب لنفسه إلا ويقدم لإخوته غفرانه على سيئاتهم نحوه. فأقصد أن أعلّمكم جيداً حقيقة أبوية الله للبشر وأخوَّة البشر لبعضهم البعض، لأن معلمي الدين قد أهملوا هذه الحقيقة الجوهرية ولم يوضحوها في الماضي كما يجب.
ترون في هذه الصلاة روح الدالة البنوية، وروح المحبة الأخوية، كما ترون روح العبادة التقوية، لأن يوم الله وكتابه وبيته ورجاله (خدام الدين) وكنيسته كلها مقدسة، بسبب نسبتها إليه. وقد ذكرت لكم في هذه الصلاة طلب النجاة من الشرير. هذا الطلب هو اعترافٌ بقوة الشيطان العظيمة وسطوته على البشر، وبأن لا نجاة منه لأحد إلا بقوة إلهية تنقذهم. وأعلنت لكم جلياً في خاتمة هذه الصلاة، كما في فاتحتها، أن على المصلي أن يقدّم أمور الله على أموره، لأن الله هو الكل وفي الكل، فله وحده الملك والقوة والمجد.
علَّمتكم في هذه الصلاة اختصار الصلاة وبساطتها، لأن روح النبوَّة والأخوَّة والعبادة فيها تقضي بذلك. وبما أنني لم أدخل بعد على وظيفتي الشفاعية، فلم اضع اسمي فيها، مع أنه بعد صعودي تقدّمون صلاتكم إلى الآب باسمي. ولم أذكر فيها الروح القدس، لأنه لم يُعْطَ بعد للناس على كيفية تستطيعون الآن أن تفهموا ما يُقال فيه.
المؤمن وحب المال
»لَا تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى الْأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لَا يُفْسِدُ سُوسٌ وَلَا صَدَأٌ، وَحَيْثُ لَا يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلَا يَسْرِقُونَ، لِأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضاً. سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّراً، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلَاماً فَالظَّلَامُ كَمْ يَكُونُ!
لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الْآخَرَ، أَوْ يُلَازِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الْآخَرَ. لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللّهَ وَالْمَالَ« (متى 6:19-24).
أحذركم كل التحذير من حب المال، وأذكركّم أن كنوز العالم فانية، ولن تبقى إلا الكنوز السماوية. وما أسعد من تعلق قلبه بالسماء لا بالأرض، فلذلك يتسهَّل له الصلاح. وأما إن ساد في قلبه حب المال، فيستحيل عليه أن يحب الله كما يجب. والكنز في السماء هو ثمر ما يعمله الإنسان ويبذله في سبيل خير الناس، حباً بالله.
لأنكم نور العالم يستنير بكم غيركم من البشر، كما يستنير بواسطة العين الصحيحة. فإن فقدتم أنتم الصلاح، فكم بالحري يفقده الذين ليس لهم وسائط الصلاح مثلكم؟ ومن الأمور المطلوبة منكم لتنيروا على الآخرين أن تتكلوا تماماً على الآب السماوي في أمر حاجاتكم الزمنية. إن عناية الله بمخلوقاته واضحة في طيور السماء التي ترفرف وتغرد فوق رؤوسكم، وفي الأزهار التي تزهو تحت أقدامكم. فكيف لا يعتني الله بالذين خلقهم على صورته، وهم أولاده؟ فإن كل ما في الجو من فوق، وكل ما على الأرض من أسفل، يشهد فعلاً لعنايته بما قد خلق. وما دام يعتني بأدناها، كيف يمكن أن يهمل أسماها؟ الذي وهب الجسد العجيب لا يبخل بالكساء الزهيد، والذي وهب الحياة الثمينة لا يتأخر عن تقديم القوت الرخيص لأجل حفظها. صحيح أن الإنسان يجب أن يهتم بالحاجيات الجسدية، لكنه يجب أن يفعل ذلك وهو متكل على عناية الآب السماوي، وهكذا لا يكون نهباً للقلق، ويجيء اهتمامه بالماديات بعد اهتمامه بالأمور الروحية - لا قبلها ولا فوقها - فما هي فائدة الإنسان لو لم تساعده العناية الإلهية؟ فإذاً ملجأكم في الدرجة الأولى هو هذه العناية لا اهتمامكم أنتم. وكيف تتفوَّقون على غير المؤمنين إن كنتم تهتمون بالدنيويات كما يهتم الوثنيون؟ أقدِّم لكم أعظم نصيحة عندي وأحلاها: »أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تُزاد لكم«.
لا تدينوا
»لَا تَدِينُوا لِكَيْ لَا تُدَانُوا، لِأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلَا تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لِأَخِيكَ: دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ. يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ! لَا تُعْطُوا الْمُقَدَّسَ لِلْكِلَابِ، وَلَا تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلَّا تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ« (متى 7:1-6).
ثم أوصيكم أن لا تكونوا من الذين يدينون بعضهم بعضاً، فالحكمة تنهَى عن هذا، لأن الناس يعاملونك كما تعاملهم. فالذي يكشف عيوب الناس تكشف الناس عيوبه وهلم جراً. الميّال إلى دينونة الآخرين يكون مدفوعاً من الافتخار والانتقام، فيُذمُّ افتخاراً أو انتقاماً. والأغلب أنه ظالم في الحالتين، لأنه يرى عيوب الآخرين، لا كما هي، بل مكبّرة. ويرى عيوبه هو لا كما هي، بل مصغَّرة. والمُخطئ لا يقدر أن يصلِح الأقل عيباً منه، فيصحُّ القول: »يا مرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى الذي في عين أخيك«.
أسألوا تعطوا
»اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزاً، يُعْطِيهِ حَجَراً؟ وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً، يُعْطِيهِ حَيَّةً؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلَادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ. فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لِأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالْأَنْبِيَاءُ« (متى 7:7-12).
مواضيع مماثلة
» الموعظة على الجبل-الجزء الاول
» الموعظة على الجبل - الجزء الثاني
» الموعظة على الجبل -الجزء الثالث
» الموعظة على الجبل -الجزء الخامس
» لماذا كانت بداية الموعظة: طوبى؟؟؟
» الموعظة على الجبل - الجزء الثاني
» الموعظة على الجبل -الجزء الثالث
» الموعظة على الجبل -الجزء الخامس
» لماذا كانت بداية الموعظة: طوبى؟؟؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى