المفهوم الكتابي للوحي
صفحة 1 من اصل 1
المفهوم الكتابي للوحي
المفهوم الكتابي للوحي
بقلم موسى خوري
قائمة المحتويات
المقدمة
I. الوحي
1. تعريف الوحي وطبيعته
2. أنواع الوحي
3. طريقة الوحي
II. العقيدة الكتابية للوحي
1. نظريات غير كتابية عن الوحي
أ. نظرية الوحي الطبيعي
ب. نظرية الوحي الجزئي
ت. نظرية الوحي الموضوعي
ث. نظرية الوحي الإملائي
ج. نظرية الوحي الروحي
2. المفهوم الكتابي الصحيح للوحي
أ. الإعتراضات على نظرية الوحي الحرفي اللفظي الكامل
III. الدلائل والبراهين على صدق الوحي
1. براهين خارجية
2. براهين داخلية
الخاتمة
المراجع
المقــدمـة
إن الدارس الحقيقي لأي موضوع، هو بأن يكون إنساناً باحثاً عن الموضوع المراد بحثه، أو السبر في أغواره. في هذا البحث سوف يتطرق الكاتب لمفهوم الوحي الكتابي، لأنه يهم كل إنسان. ومن خلال الدراسة والبحث سيبحث الكاتب بدايةً في النقطة الرئيسية الأولى وهي تعريف كلمة الوحي بمفهومها الكتابي، وأيضاً ما هي طبيعته، ويذكر الكاتب أيضاً نوعين من الوحي وهما: الوحي الإلهي، والوحي الشيطاني، وعن طريقة الوحي وكيفية تعامل الله في توصيل كلمته لكتبة الوحي.
وبعد ذلك سيتطرق الكاتب للنقطة الرئيسية الثانية وهي عقيدة الوحي الكتابي من خلال النظريات غير الصحيحة عن الوحي، والتي تشمل نظريات "الوحي الطبيعي، الوحي الجزئي، الوحي الموضوعي، الوحي الإملائي، والوحي الروحي". وأيضا سوف يتم شرح المفهوم الكتابي الصحيح للوحي، بأن الوحي الإلهي هو وحي لفظي حرفي و كامل، والذي أظهر باقي النظريات بأنها غير كاملة وتحتاج لرد من كلمة الله، ولكن صار هناك إعتراضات وهجومات على الوحي الكتابي، سوف يتم الرد على هذه الإعتراضات كتابياً.
بينما في النقطة الرئيسية الثالثة والأخيرة في هذا البحث سيتم شرح البراهين والدلائل التي تبين صحة الكتاب المقدس، وهذه البراهين هي من داخل و خارج الكتاب المقدس، علماً بأنه لا يحتاج لأي برهان أبداً، وذلك لسمو كلماته وترابطه وإتحاده، بل يتمتع بالسلطة النهائية، وفرادة كاملة عن باقي الكتب الأخرى. ولكن أعطيت هذه الأدلة بسبب الهجومات البشرية على الكلمات الإلهية، وعلى ضوء ما تم شرحه، يقدم الكاتب إيمانه وثقته بهذا الوحي، ويعلن بأنه فريد في كل شيء. ولا يزال الكتاب المقدس حياً رغم موت الكتبة له، بل ونافع لكل جيل وعصر وزمان، وبذلك الوحي ضمن دقة إعلان الله.
في بداية هذا البحث سيتم التعرف على معنى الوحي وطبيعته، وأنواعه، وطريقته. ومن أجل تعريف دقيق وصحيح للوحي، هناك مفاهيم أساسية لتعريفة بشكل واضح، يوجد تعبيرات ترتبط بهذا الوحي مثل ( الإعلان، الوحي، السلطان، العصمة، والإستنارة )، يذكرها هنري ثيسن. في الإعلان الله قرر أن يعلن عن ذاته للإنسان، من خلال الإعلانين العام والخاص، فالعام يشتمل على "الطبيعة، التاريخ، والضمير"، بينما الخاص يشتمل على "الرب يسوع، والكتاب المقدس". إن المفهوم العام عن أسفار الكتاب المقدس هي إعلان الله عن ذاته، وفي بعض الأسفار جاء الإعلان مباشراً، والبعض الآخر جاء غير مباشر للعمليات الخلاصية من الله للبشر عبر التاريخ.
ثم جاء الوحي ليسجل الحق والحقيقة لستٍ وستون سفراً في الكتاب المقدس من خلال أناس مسوقين من الروح القدس (أع16:1/عب15:10-17/2بط21:1)، وهذه الأسفار موحى بها من الله (2تيم16:3). لذلك يحمل الكتاب المقدس في داخله السلطة الإلهية والنهائية على فكر، وعقل، وضمير، وإرادة كل البشر، بل الإنسان والكنيسة والعقيدة خاضعون لسلطة الكتاب، والمقياس الإلهي للخضوع هو عبارة "هكذا يقول الرب" بمعنى الله قد تكلم، ويجب على الإنسان الخضوع.
لذلك أسفار الكتاب المقدس هي معصومة عن الخطأ، بمعنى سجلت بدون أخطاء في المخطوطات الأصلية، أي أن الله عن طريق البشر أنتج وثيقة لا تحتوي على أخطاء في كل ما كتب تاريخياً، أو علمياً، أو عقيدةً، أو أخلاقياً، أو أدبياً. وهذه العصمة تشمل جميع الأسفار، وليست مقتصرة على تعاليم معينة، ولكن الله دبر بل أنار عقول معلمين لشرح كلمة الله للحصول على التفسير، لأنه بسبب الخطية لم يفهم البشر الأسفار فهماً صحيحاً (رو21:1/أف18:4). لكن روح الله يُنير ويُضيئ بصيرة الإنسان ليفهم الأسفار (1كو6:2-16/أف18:1/1يو20:2 ، 27).
عرّف الأستاذ "جايمس بيرس" كلمة الوحي بأنها تشير إلى نسمة في الجو، فهي مشتقة من الكلمة اليونانية المركبة من مقطعين "ثيوبنوستوس"، المقطع الأول يشير إلى الله، والثاني للتنفس، وتعني "نفس أو نسمة الله". فالوحي من طبيعته أن يضمن دقة الإعلان، والله وحده يضمن دقة عملية التوصيل إلى أواني الوحي، ويستخدم كلمة الوحي لضمان دقة الكلمة، بل الوحي يعطي السلطان للكلمة. الفكرة هنا هي أن الكتاب المقدس هو موحى به من الله كما هو مكتوب في (2تيم16:3)، وليس إلهام كما يدعي البعض، لأنه يوجد فرق كبير بينهما. الإلهام باللغة الإنجليزية يختلف عن الوحي باللغة العربية، والناس اليوم تضع كلمة الوحي على الإنسان وليس من الله، وفجأةً يصبح كل شخص يكتب كلام مثل الإغاني، أو ترنيمة عن مجئ المسيح؛ وهي مليئة بالأخطاء اللاهوتية، لأن كاتبها هو الإنسان. لكن لما سألوه عن الأخطاء اللاهوتية عن مجئ المسيح، دافع عن نفسه وقال: أنا ألُهمت بالكتابة مثل كُتّاب الكتاب المقدس، لذلك الذي أكتبه هو وحي.
والمشكلة هنا بأن نأخذ مفهوم الوحي ونخرجه من الكتاب ونطبقه على شخص آخر، لكن يجب أن يفهم الإنسان أن كلمة الوحي تختص بالكتاب المقدس فقط. والرجال الذين كتبوا الكتاب المقدس كانوا مُقادين ومسوقين بالروح القدس (2بط21:1). هذه الآية تصف عمل الله بالروح القدس في هؤلاء الرجال، وأنهم ملهمين بالروح القدس، لأن الوحي لا يتعلق بالشخص الذي كتب، بل بالكلام المكتوب. فكلمة مسوقين تعني محمولين ومعناها الضمني أن الله يحمل هؤلاء حتى لا يضلوا الطريق، بل تحمل في معناها الإشراف على كلمة الله، أي المراقبة للتأكد من العمل بأنه قد تم بصورة صحيحة. الروح القدس ليس فقط يُشرف عليهم، بل يحميهم من إرتكاب الأخطاء. إن ما فعله الروح القدس ولمئات السنين كان كافياً لشرح ماذا تعني كلمة الوحي. ما سيراه القارئ اليوم هو إضافة بعض الكلمات الأخرى لتصف بها تعريف الوحي بشكل أدق، لأنه دخل معلمون كذبة وعبثوا بتعريف كلمة الوحي، فهذه الكلمات تمثل الأساس لتعريف كلمة الوحي. الكلمة الأولى هي الله والروح القدس هو المشرف والقائد للكُتاب. بينما الكلمة الثانية هي الرجال المسوقين الذين اختارهم الله كقديسين ليكتبوا، لذلك الكتاب المقدس له مؤلف واحد هو الله وأربعين كاتبً. والكلمة الثالثة الوحي لفظي وكامل في كل أجزائه. والرابعة منزه عن الخطأ ويقصد بها المخطوطات الأصلية فقط. والخامسة كلمة معصوم عن الخطأ، وتشير إلى النسخ التي نُسخت من المخطوطات التي بين أيدي الإنسان الآن.
بينما "يوسف رياض" عرّف الوحي باللغة اليونانية ومعناها كما عرفها جايمس بيرس، ولكنه أضاف بأن الكتاب المقدس هو أنفاس الله أرسلها إلى أواني الوحي ليهب الحياة الروحية، ويذكر أيضاً تعريف "وبستر" لكلمة الوحي "بأنه تأثير روح الله الفائق للطبيعة على الفكر البشري، به تأهل الأنبياء والرسل والكتبة المقدسون، لأن يقدموا الحق الإلهي بدون أي مزيج من الخطأ".
ولكن "جيمس أنس" يُعرّف الوحي بأنه " عمل روح الله في العقل البشري إرشاداً للأنبياء والرسل، وكتبة الأسفار المقدسة، ليظهروا الحق الإلهي معصومين عن الخطأ".
والآن سيتطرق الكاتب إلى أنواع الوحي، فهناك نوعين فقط ولا يمكن أن يكون هناك وحي ثالث، النوع الأول هو الوحي الإلهي الذي أعطاه الله لنا على يد أنبيائه ورسله القديسين، ومن خلاله تم كتابة الكتاب المقدس، وهذا يُثبت مصداقيتة وقداسته ونفعه للآخرين (2تيم16:3-17 / 2بط20:1-21). بينما النوع الثاني هو الوحي الشيطاني الذي أعطاه الشيطان لأنبيائه ورسله الأشرار ليوصلوه لبعض الناس، ومن خلاله هناك كتب غير صحيحة كُتبت لتضليل الناس. يوصف هذا الوحي بأنه كاذب وغير مقدس، بل وضار (1تيم1:4/حز6:13 ،7 /مت15:7/ أع29:20/ مت11:24/2بط2:1/2كو13:11).
أما طريقة الوحي كان الله يتعامل بثلاث طرق لتوصيل أفكاره للإنسان، فكانت الأولى: هي إعلان روح الله لكتبة الوحي عن أفكاره التي يريدها أن تصل لأذهانهم. لكن الثانية: هي الوحي الذي يضمن الإعلان بالكتابة بحسب أقوال الروح القدس، بمعنى الكاتب يكتب ما يريده الله على الرقوق أو الورق. بينما الثالثة: هي الإستنارة. بعد إعلان الحق بالروح القدس لكُتاب الوحي المختارين من قبل الله، الله أوحى إليهم بالروح القدس ليوصَّلوا للإنسان نفس أفكار الله التي أملاها الروح القدس عليهم. وبعد ذلك الله دبر وأنار عقل الإنسان من جهة ما يريده الله أن يقوله، والذي تم كتابته في الكتاب المقدس. ولا يزال الإنسان اليوم يحتاج إلى إستنارة من روح الله ليفهم المكتوب (مز18:119).
والآن بعد أن تم التعرف على الوحي بشكل عام، سوف يشرح الكاتب العقيدة الكتابية للوحي والتي تتضمن نظريات غير كتابية، أو غير وافية وهي (الطبيعية، الجزئية،الموضوعية،الإملائية، والروحية). وأيضاً تتضمن نظرية الوحي اللفظي الحرفي الكامل، لكن على هذه النظرية هناك بعض الإعتراضات سيتطرق لها الكاتب. مبتدءاً من النظريات غير الوافية.
نظرية الوحي الطبيعي. يؤمن أصحاب هذه النظرية أن كُتاب الكتاب المقدس هم أشخاص عباقرة وعظماء، ولا يحتاجون إلى أية مساعدة خارقة للطبيعة كي يكتبوا الأسفار المقدسة. وهناك بعض الآراء المؤيدة لهذه النظرية يشرحها الكاتب "تشارلز رايري" وهي كالتالي: البعض يقول إن الكتّاب أنفسهم تخيّلوا ما كتبوه، وليس الله الذي تنفس بما كتبوه من كلمات. بينما البعض الآخر يقول إن الوحي ينطبق على كتب أخرى غير الكتاب المقدس، وليس هناك فرقاً بينهما. ولكن الرأي الثالث للبعض يقول إذا كان الوحي حقيقي لماذا لا يكتب عباقرة اليوم كتباً موحى بها مثل الكتاب المقدس. وأخيراً الراي الرابع لا يؤمن بعصمة الكتاب المقدس عن الخطأ.
بينما الكاتب "فنلي م. جراهم" يوضح نظرية الوحي الطبيعي أن أصحاب هذه النظرية قالوا أن الله لم يوحي لكُتّاب الكتاب المقدس أكثر من الكُتّاب الآخرين أمثال "شكسبير، وهوميروس"، أية بمعنى أن هذه النظرية تجعل من كُتّاب الأسفار المقدسة عباقرة دينيين. هذه النظرية تنكر دور الله بالإشراف والقيادة بالروح القدس لكُتّاب الوحي، واستخدام الله لشخصياتهم واسلوبهم حتى لا يخطئوا. (2بط21:1) "تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس".8
نظرية الوحي الجزئي. تنادي هذه النظرية بأن الله أعطى لكاتب السفر قدرة يحتاجها، وتكليف له حتى ينقل الحق نقلاً موثوقاً به، وهذا يجعل الكاتب معصوماً عن الخطأ في بعض الأمور مثل الإيمان، والممارسة، والتطبيق. ولكن في الأمور التي ليس لها صفة دينية مثل العلم والتاريخ تجعل الكاتب غير معصوم عن الخطأ. والمشكلة في هذه النظرية أن بعض الأسفار تُقبل، بينما البعض الآخر يُرفض، لأنه لا يُعرف من هذه الأسفار ما هو صحيح، أو ما هو خاطئ، لذلك الإنسان لا يقدر على التمييز مابين هو ضروري للإيمان، أم لا. هذا الرأي مخالف لتعليم كلمة الرب والتي تقول ان "كل الكتاب هو موحى به من الله" (2تيم16:3).
نظرية الوحي الموضوعي. أصحاب هذه النظرية يؤمنون بأن الله أوحى بأفكار الإعلان للكاتب فقط، وبعد ذلك ترك له أن يصوغ ويكتب هذه الأفكار بكلمات من عنده. بمعنى الكاتب يختار الكلمات التي تحلو له بدون تدخل من جانب الله. بتصور كاتب هذا البحث أن أصحاب هذه النظرية يفكرون بأن الكتاب المقدس فية تناقضات بسبب بعض المقاطع الصعبة الموجودة فيه، لكنهم فكروا بطريقتهم البشرية لا بطريقة الله ليتفادوا عدم معرفتهم لشرح أو حل هذه التناقضات للبشر وهذا العمل يُظهر الكبرياء وعدم المعرفة. إن المؤمن الحقيقي ينكر هذه النظرية كإنكار الكتاب المقدس لها، والذي يعلم بأن كل الكتاب موحى به بكل كلماته وألفاظه، بل ويؤكدها بولس في (1كو13:2) "التي نتكلم بها ايضا لا بأقوال تُعّلمها حكمة إنسانية بل بما يُعلمه الروح القدس قارنين الروحيّات بالروحيّات". وهنا يتكلم عن الأقوال، وأيضاً كما في (رو2:3) "كثير على كل وجه .أما أولاً فلأنهم أستؤمنوا على أقوال الله". يقول بولس أن اليهود أستؤمنوا لا على أفكار الله، بل على أقوال الله. لذلك من الصعب أن يفكر الإنسان في الأفكار ويفصلها عن الكلمات. "سوسي saucy" يعطي الخلاصة التي تقول إلى أنه "لا يمكن أن يوجد وحي بالأفكار لا يشمل الكلمات التي تعبر عن هذه الأفكار، فبالتأكيد لا بد أن الكلمات موحى بها أيضاً وليست الأفكار فقط".
نظرية الوحي الإملائية. يؤمن أصحاب هذه النظرية إن الله قام بإملاء كتبة الوحي لكتابة الكتاب المقدس، وكاتب السفر أصبح مجرد آلة طابعة، أو إنسان آلي مُجرّد من فرديته، وشخصيته. وأسلوب الكتابة حسب هذا الرأي هو اسلوب الروح القدس، لكن البعض طالب بوجود قواعد اللغة السليمة، لأن الروح القدس يعرف هذه القواعد. هذه النظرية تتناسى الإختلافات في أسلوب الكتابة من "موسى إلى يوحنا"، لكن يجب أن يعرف الإنسان أن مؤلف الكتاب المقدس هو الله نفسه، لأنه هو أوحى به، هذا من جهة، لكن من الجهة الأخرى هناك من يشترك بالكتابة للوحي وهم الرجال المسوقين من الله. لذلك الله لا يستخدم الأدوات الصامته، بل يستخدم الإنسان الحي المشاعر الشفافة من نحو الله. والدليل على ذلك أستخدم شخصية الإنسان في الإعلان عن نفسه للبشر ولم يرفضها. فهذه النظرية مرفوضة بتاتاً.
النظرية الوحي الروحية. يقول أصحاب هذه النظرية أن الله أوحى فقط في الأمور الروحية، بينما في الأمور الأخرى مثل العلم، أو التاريخ والآثار . . . إلخ، تحتمل إمكانية الخطأ فيها، مثل أية كتابات أخرى في ذلك الوقت. لذلك يقولون صحيح أن الله تكلم إلينا من خلال الكتاب المقدس، ولكن نصوصه ليست كلمة الله، بل رسالة روحية أتت من خلال هذه النصوص. وهنا يسأل الإنسان هل حوادث، وقصص، ومعجزات الكتاب المقدس كلها خيالية؟ وهل تعلمنا شيئاً؟ أصحاب هذه النظرية يقولون تعلمنا الإيثار وتقديم ما عندنا للآخرين، وهكذا. هناك شخص علق على قصة "إيليا" عندما أمسك المطر، وإعالته من قبل الغربان فقال: من جهة التاريخ هذه القصة خاطئة، بينما من الجهة الروحية صحيحة!! هذه النظرية تعلن عدم قبول كلمات الله بأنها "أقوال الله"، بذلك يصبح الإنسان يأخذ ما يراه مناسباً له ويرفض ما هو غير مناسب له من أقوال الله، ويكون القاضي الذي يحكم على كلمات الله، وبعد ذلك كيف يؤمن الإنسان ويثق في الكتاب المقدس بعد أن رفض سلطان كلمات الله. ترى من هو الذي يقرر ما هو صحيح وما هو خاطئ؟ إذا عمل الإنسان ذلك بكلمات الله فأنه يضع نفسه فوق الوحي، وسوف يحكم علية بلا هوادة ليفقد معناه الحقيقي. لا يوجد أية إشارة، أو تلميح، أو إستنتاج في الكتاب المقدس يعلن جزء منه مهم بينما الجزء الآخر غير مهم.
وبعد أن تم التعرف على النظريات غير الوافية، والتي تعلن ضعفها أمام الوحي الإلهي، سيتطرق الكاتب لشرح المفهوم الكتابي الصحيح للوحي. إن الله أشرف وأرشد وقاد كتبة الوحي بإستخدامه لشخصياتهم المميزة، حتى يكتبوا ما أراد الله أن يكتبوه بالروح القدس بدون أي خطأ، أو زيادة أو نقصان. بمعنى أن الإنسان لا يعرف كيف تعمل قوة الروح القدس، بسبب أن الوحي لا يمكن أبداً تفسيره، بل هو مقتصراً فقط على كتبة الوحي، ليس كباقي الكتب الأخرى التي لم يوحي بها الله بنفس المفهوم. الوحي هو إرشاد وإشراف الروح القدس على اختيار المواد المستخدم من قبله، وأيضاً الكلمات المستخدمة في الكتابة. لذلك الروح القدس لقد حفظ الكتبة من الخطأ، ومن كل إضافة أو زيادة ونقصان، والنتيجة الوحي لقد شمل الألفاظ والكلمات وليس الأفكار والمفاهيم فقط، فهو وحي تام مطلق لأنه كامل وبدون أي قيد لكل الأسفار، ولفظي حرفي لأنه يشمل كل كلمة وكل حرف (1كو13:2). إن الوحي الصحيح هو فقط الموجود في النص الأصلي في المخطوطات الأولى، وليس بالنسخ المترجمة القديمة أو الجديدة بحسب لغاتها العبريه أو اليونانية، ولا في أي نص آخر متداول، لأن جميع هذه النسخ يوجد بها إمكانية الخطأ، وبعض الكلمات منها لا زال الناس يتجادلون بها. لذلك يجب أن ينظر الإنسان لكل جملة في كلمة الله على أنها موحى بها، بل انها جديرة بالثقة.
ولكن الكاتب "يوسف رياض" وضح وعرف القارئ في كتابه "وحي الكتاب المقدس" بأن الوحي اللفظي الحرفي أو الكلي هو" تأثير إلهي مباشر يؤثر على ذهن كتبة الوحي، به تأهلوا لأن يقدموا الحق الإلهي بدون أدنى مزيج من الخطأ، وبناءاً عليه فإن الروح القدس أعطى كتبة الوحي لا الأفكار فحسب، بل قادهم قيادة ماهرة في إنشاء العبارات اللازمة للتعبير الخالي من الخطأ عن هذه الأفكار التي أعلنها لهم". أما بالنسبة لكتبة الوحي إن أدركوا ما يقولونه أو لم يدركوا ذلك، فأنهم تحت سيطرة كاملة من الروح القدس، علماً بأنه هناك درجات من الإدراك، لكن بالوحي لا يوجد درجات أبداً، بل أعطي لرجال الله بالتساوي. فالنبي عندما يتكلم بالوحي فأنه يتكلم بدون إدراك أو توقع أو دراية (1مل20:13/يو51:11/دا9،8:12/1بط12،11:1). إن الروح القدس قاد كتبة الوحي وعصمهم عن الخطأ للتعبير عن أفكار الله والتي تمثل العنصر الإلهي، وبنفس الوقت الله لم بفقدهم شخصياتهم لأنهم يمثلون العنصر البشري في كتابة الوحي، بل أخذوا قدرات خاصة من الله لأنه مصدر الوحي وحده لا الكتبة، بل استخدم لغة البشر في الكتاب المقدس ليخاطبنا بها، كما استخدم عقول وأفكار واختبارات وذاكرة وأذهان كتبة الوحي، بل أيضاً مشاعرهم وظروفهم، ومن خلال العنصرين الإلهي والبشري تجسدت كلمة الله. وكما قال الواعظ سبيرجن "إننا نناضل لأجل كل كلمة في الكتاب المقدس، ونؤمن بالوحي الحرفي واللفظي لكل كلمة من كلماته، بل إننا نعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك وحي للكتاب إذا لم يكن الوحي حرفياً فلو ضاعت الكلمات فإن المعاني نفسها تضيع". والقصد من تسمية الوحي اللفظي هو إبراز أهمية الألفاظ للتعبير الدقيق عن الفكر، والمختارة بدقة من قبل الله لهذا القصد.
لكن يوجد بعض الإعتراضات على هذا الوحي، هناك من يعترض على أن الوحي فيه إقتباسات تمت بجهل أو عن خطأ، مثل لما وقف بولس أمام حنانيا رئيس الكهنة (أع5:13)"فقال بولس لم اكن اعرف ايها الاخوة انه رئيس كهنة . . .". هنا موضوع الوحي ليس له علاقة بجهل بولس الذي إعترف به، لأن كتابة هذه الجملة هي موحى بها من الله، وعندما يؤكد الكتاب المقدس بأنه صادق وخالي من الأخطاء يجب على الإنسان قبوله فوراً وكما هو. في (1كو12:7) "واما الباقون فاقول لهم انا لا الرب ان كان اخ له امرأة غير مؤمنة وهي ترتضي ان تسكن معه فلا يتركها". هنا ما معنى قول بولس "أنا لا الرب"؟ بولس هنا يتكلم بالسلطان المعطى له من الله، وهو ينادي بالوحي، لكنه هو وضع التعاليم والممارسات والعقائد بسلطان، لن فيه روح الله القدوس. وأيضاً هناك معترض آخر يقول أن الكتاب المقدس ليس مرجعاً علمياً أو تاريخياً، وإذا هو موحى به لفظاً وحرفاً، يجب أن يتكلم بصدق عندما يتناول إحدى الموضوعات. لكن علم الآثار أكد دقة تاريخية قصص العهد القديم، ولم تعد الأسماء القديمة مشكلة عند المؤرخين، لأنه تم التعرف عليها تاريخياً من خلال القصص التي حدثت فعلاً في التاريخ مثل "أسماء حمورابي، كرنيليوس، غاليون . . . إلخ". وهناك إعتراضات أخرى مثل الإعتراض على عدم قبول المعجزات والنبوات. وأيضاً على الإقتباس من العهد القديم وتفسيره، وذلك بعدم إعطاء الحق للروح القدس في استخدام العهد القديم بأية طريقة. وأيضاً في الأخلاق والدين، أي بمعنى أن كل الأخطاء في الأخلاقيات وفي الدين هو موجود فقط في العهد القديم. لكن في رأي الكاتب يقول لهذا المعترض لولا ذكر أخطاء الآخرين وبصراحة لكان الكتاب المقدس غير موحى به، وكان أيضاً كنيسة اليوم مثالية، واصبحت كاملة وليست بحاجة للخلاص. لكن الكتاب المقدس يهتم بأدق التفاصيل ليبرز الحق للجميع، ولإبراز هدف وقصد الله أيضاً.وإلى هنا يكتفي الكاتب من طرح الإعتراضات بالتفصيل، ولكن فقط بشكل عام.
وأخيراً سيتطرق الكاتب إلى الدلائل والبراهين التي تثبت صدق وصحة الوحي، علماً بأن كلمة الله لا تحتاج إلى إثبات، لأن لها سلطة في ذاتها، فالله هو أعلى سلطة، أي بمعنى إن كان الكتاب المقدس هو كلمة الله، إذن هو يتكلم بسلطة مطلقة. هناك كتب أخرى تدعي أنها كلمة الله وموحى بها لكنها تناقض كلمة الله، ولكن الله لا يناقض نفسه، وكلمته أيضاً لا تناقض نفسها. وبسبب وجود الكتب الأخرى التي تناقض نفسها يجب أن يكون كتاب واحد هو الصحيح. لذلك يجب إبراز البراهين التي تثبت أن الكتاب المقدس هو كلمة الله بالمقارنة مع الكتب الأخرى.
أ. البراهين الخارجية.
1. تاريخ الكتاب المقدس. الكتاب المقدس يخضع للإمتحان التاريخي لأن معظمه تاريخي في المحتوى، فكان الشعب القديم أذكياء في تسجيل تاريخهم وعاداتهم وأشغالهم، فكانوا مميزين عن باقي الشعوب وعلى هذا الأساس علم الآثار أكد تاريخية الكتاب المقدس، لأنه لا يوجد اكتشاف واحد ضد أي عبارة في الكتاب المقدس. وبسبب الإكتشافات الأثرية تم التأكيد على الإعلانات التاريخيه للكتاب المقدس. قالوا عن موسى بأنه ليس هو الكاتب للأسفار الخمسة، لأن الكتابة في زمن موسى لم تكن موجودة، لكن العلم اكتشف شريعة حمورابي السابقة لأبراهيم وموسى. إذن الكتابة موجودة قبلهم بثلاثة قرون على الأقل.
2. شهادة المسيح عن الكتاب المقدس. بسبب دقة العهد الجديد تاريخياً فأنه يحتوي على تعاليم المسيح عن وحي الكتاب المقدس. إن كان المسيح يملك السلطة ويتكلم بالصدق، فإن الكتاب المقدس هو موحى به وهو كلمة الله، لأن المسيح تمسك في وحي الكتاب المقدس وسلطانه، لذلك الإنسان الذي يرفض وحي كلمة الله فهو يرفض سلطان المسيح.
3. شهادة النبوات المحققة في الكتاب المقدس. إن الكتاب المقدس يشتمل على نبؤات قد تحققت مثل زمن ميلاد المسيح (دا9)، بلده وموطنه (مي2:5)، طبيعة ميلاده العذراوي (إش14:7)، وهناك العشرات من النبؤات عن حياته وموته وقيامته (إش53) . . . إلخ. وأيضاً هناك نبؤات لم تتحقق بعد مثل سفر الرؤيا.
4. صدق وأمانة كتبة الوحي. لا يوجد أي سبب يشير إلى الكتبة بأنهم غير صادقين أو غير أمناء، لكنهم كانوا مقتنعين بأن الله قد تكلم إليهم، وكتبوا ما رأوه وشاهدوه من موت وقيامة المسيح. من السذاجة أن يفكر الإنسان ويقول بأن التلاميذ كانوا مخدوعين بعد التغيير الذي حصل لحياتهم. وباختصار أمانة الكُتّاب تدعم ألوهية كتاباتهم وسلطتها.
5. إثبات المعجزات المؤيدة لعملية وحي الكتاب المقدس. المعجزة هي عمل الله وحده ليؤكد كلامه من خلال أنبيائه (يو2:3) "هذا جاء الى يسوع ليلا وقال له يا معلّم نعلم انك قد أتيت من الله معلّما لان ليس احد يقدر ان يعمل هذه الآيات التي انت تعمل ان لم يكن الله معه". قول بطرس في يوم الخمسين (أع22:2) "ايها الرجال الاسرائيليون اسمعوا هذه الاقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما انتم ايضا تعلمون".
6. طبيعة الكتاب المقدس الفريدة. إن فرادة الكتاب المقدس تختلف عن أي كتاب قبله أو بعد
(أ) فريد في توزيعه. لأنه لا يزال لغاية اليوم يوزع، ولا يضاهيه أي كتاب بالعالم، لكن الكتاب المقدس مستمر في التوزيع رغم إمكانية التوزيع لكتاب آخر في الشهر تكون كبيرة جداً، ولكنة سيأتي وقت وسيتوقف عن التوزيع، أو تقل قيمته الشرائية. جوش ماكدويل: "إن جمعية الكتاب المقدس، منذ ثلاثين عاماً، إضطرت أن تطبع منه نسخة كل ثلاث ثواني، ليلاً ونهاراً، و 1369 نسخة كل ساعة ليلاً ونهاراً، و32876 نسخة كل يوم في السنة . . وضعت في 4583 صندوقاً وتزن 490طناً. هذا لا يبرهن أن الكتاب المقدس هو كلمة الله، ولكن هذا يبرهن أن الكتاب المقدس كتاب فريد".
(ب) فريد في ترجمته. الكتاب المقدس هو أول كتاب تمت ترجمته في العهد القديم من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية عام 250ق.م. وتسمى هذه الترجمة "السبعينية"، وترجم إلى 1808 لغة ولهجة تمثل أكثر من 99% من سكان العالم، ولم يفقد شيئاً من ترجمته، لأنه معجزة في المعنى والمحتوى ورسالة إعلان محبة الله للبشر.
(ت) فريد في بقائه. إن الكتاب المقدس يتفوق في عدد المخطوطات المنقولة، وعدد الترجمات، والدقة في النقل، والإقتباسات. هناك الكثير من البشر حاولوا أن يفنوا الكتاب المقدس بإعتقادهم بأنه مجموعة خرافات، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل لأنه تحمل كل هجوماتهم، وبقي ثابتاً كالصخرة. إن مصدر ثبات كلمة الله هو أنه لا يخاف من تهجم و نقد البشر له، بل أنه ثابت للأبد. كتب جوش ماكدويل بهذا الخصوص، "لقد أعلن البعض، آلاف المرات، موت الكتاب، ورتبوا جنازته، وجهزوا شاهد قبره، لكن الكتاب ظل حياً، ولم يحدث أن كتاباً آخر لقي كل هذه الغربلة والطعنات، فأي كتاب من كتب الفلسفة أو المذكرات لقي ما لقيه الكتاب المقدس من تجريح، على كل آية فيه. لكن الكتاب بقي محبوباً من الملايين، يقرأه الملايين ويدرسه الملايين، لأنه يملأ إحتياجات الملايين". ومات جميع النقاد وبقي هو حياً. فقد قال الرب يسوع محذراً في (مر31:13) " السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول"
(ث) فريد في تأثيره على الأدب والحضارات والتاريخ. لم يؤثر كتاب على الفكر، وعلى الفن، وعلى الحث على أهم الإكتشافات التاريخية مثل الكتاب المقدس. وهذا واضح لكل من يدرس التاريخ. فلو تم إبادة كل نسخة من نسخ الكتاب المقدس اليوم، سوف يتم إرجاع المعلومات والإقتباسات المأخوذة من كتب مكتبة واحدة في مدينة.
ب. البراهين الداخلية.
عند الدخول بالإيمان إلى أعماق الكتاب المقدس يتأكد المؤمن تأكيداً واضحاً من صدق صحته، فيجد الراحة الحقيقية والكاملة. والكتاب المقدس فريد ولا يساوي أبداً أي كتاب آخر مهما كانت شهرته، فهناك براهين من داخله تثبت بأنه فريد.
1. طبيعته الفريدة. يتكلم الكتاب المقدس بسلطان مثل يسوع: (يو46:7) "اجاب الخدام لم يتكلم قط انسان (كتاب) هكذا مثل هذا الانسان (الكتاب)" .بل ويُظهر الصفات الإلهية التي مصدرها من الله، وأيضاً الكتاب المقدس يُظهر جميع الدلائل بأنه يقول الحق.
2. شهادة الروح القدس على فرادة الكتاب المقدس. في (رو16:8) " الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله"، وإن الكتاب المقدس هو كلمة الله في (2بط19:1-20). وهنا نفس الروح الذي أوصل حق الله يؤكد لكل مؤمن أن الكتاب المقدس هو كلمة الله. والروح القدس يستخدم هذه الكلمة المكتوبة ليعطي تأكيداً للمؤمن شخصي وذاتي، لذلك شهادة الروح القدس لم تأتي من فراغ، بل أعطت أيضاً تأكيداً بسلطة الكتاب المقدس.
3. قدرته على التغيير. الكتاب المقدس عنده القدرة الكاملة لتجديد الإنسان الخاطئ مهما كانت حالته، والعمل على بنائه روحياً، فسموه يبرهن قدرته الفائفة على التغيير (عب12:4/1بط2:2). يوجد الكثير من الشهادات عن التغيير للأشرار، والضعفاء، والحزانى، والجهلاء.
4. فريد في وحدته وترابطه. لا يوجد أي إعلان أو تعليم جديد إلا ويكون على إنسجام تام مع ما سبقه من إعلانات سابقة. فكل الأنبياء والكُتّاب هم على إتفاق تام بالكتابة. هذا هو أحد الإمتحانات والبراهين الهامة لصحة الوحي (تث1:13-5/20:18-22). كتب الكتاب المقدس خلال فترة 1600 سنة، أو 60 جيل، ومن 40 كاتب مختلف مثل موسى القائد السياسي، عاموس الراعي، يشوع القائد العسكري، دانيال رئيس الوزراء، سليمان الملك، متى جابي الضرائب، بطرس الصياد، وبولس رجل الدين. وفي أماكن مختلفة، موسى في الصحراء، إرمياء في جب السجن، بولس داخل السجن، يوحنا في جزيرة بطمس، وآخرون في أرض المعارك. وفي الأزمنة المختلفة، داود وقت الحرب، وسليمان وقت السلم. وفي أحوال نفسية مختلفة، في الفرح وفي الحزن، في الواقعية والتمني، وفي ثلاث قارات آسيا، أفريقيا،وأوروبا، وفي ثلاث لغات العبرية، الآرامية، واليونانية، وفي مختلف أنواع الأدب فهناك التاريخ، والقانون المدني، الجنائي، الأخلاقي، الديني، والصحي، والشعر الديني، المقالات القصيرة، الأمثال، الكتابات الرمزية، حياة شخصية، مراسلات، مذكرات شخصية، والكتابات النبوية. وعن مئات المسائل والمواضيع، لكنه مترابط ومتحد مع بعضه البعض. لا يمكن أن يفهم الإنسان جزء من الكتاب المقدس إلا في ضوء إرتباطه ببقية الأجزاء، تماماً مثل جسم الإنسان لايمكن فهم أي جزء إلا في ضوء إرتباطه مع باقي الأجزاء. إن سبب وحدة الكتاب المقدس هو أن الأسفار أضيفت بعد كتابتها، ثم جُمعت لأنها أعتبرت موحى بها. فكل جزء منه يقدم دورة بإنسجام كامل بقيادة شخص واحد، وله كل السيادة.
5. تعاليمه فريدة. تعاليم الكتاب المقدس تشتمل على شخصية الله، الخطية، الخلاص، النبؤات، التاريخ، الشخصيات، والكثير من المواضيع المختلفة. ليس هناك كتاب يجمع كل هذه المزايا والبراهين الداخلية والخارجية، كما يجمعها الكتاب المقدس. هناك هوة عظيمة ما بينه وما بين أي كتاب آخر.
وفي نهاية هذا البحث يؤمن الكاتب بالوحي الحرفي اللفظي الكامل كما سبق وتم شرحه في جسم البحث.
الخاتمة
ختاماً لهذا البحث سوف يتم تلخيص ما قد ذكر من نقاط رئيسية، والتي كانت موضع إهتمام الكاتب ليبحث ويدرس ويحلل المفهوم الكتابي للوحي كفكرة رئيسية في هذا البحث. وتم التطرق إلى تعريف كلمة الوحي، وطبيعته، وأنواعه، وما هي الطريقة التي تم توصيل الوحي للكتاب. وبعد ذلك تم شرح مفهوم العقيدة الكتابية للوحي من خلال بعض النظريات غير الوافية، والتي لا تعطي صحة للوحي مثل نظرية الوحي الطبيعي، نظرية الوحي الجزئي، نظرية الوحي الموضوعي، نظرية الوحي الإملائي، ونظرية الوحي الروحي، وتم شرح كل نظرية بما تؤمن أو تنادي بحسب عقيدتها ومفهومها. هذه النظريات أثبتت ضعفها، وعدم صحتها أمام الوحي اللفظي الحرفي والكامل، والذي تم التطرق إليه في جسم هذا البحث. فكان هذا الوحي إيمان الكاتب، وبحسب بعض المفسرين تم شرحه وتوضيحه بصورة دقيقة، بأن الروح القدس قاد وأشرف على كُتاب الوحي ليكتبوا ما يريد هو بالتمام، وأيضاً ليحفظهم من أي خطأ، بل مستخدماً شخصياتهم في كتابة كلمتة الموحى بها، لذلك كل حرف وكل كلمة وكل جملة وكل الكتاب المقدس هو وحي من الله. ولكن هناك البعض يعترض على الوحي اللفظي الحرفي الكامل، وتم التطرق إليها والرد عليها، ومن خلال ذلك أيضاً تم توضيح بعض البراهين من داخل وخارج الكتاب المقدس، والتي تثبت صحة كلمة الله، وأنها موحى بها من الله. علماً بأن الكتاب المقدس لا يحتاج إلى أي إثبات بسبب سموه عن الكتابات الأخرى، وسلطته المطلقة والنهائية، ولكن أعطيت البراهين والدلائل بسبب ضعف تفكير الإنسان المحدود عن كلمة الله. وأخيراً قدم الكاتب إيمانه وتأييده للوحي اللفظي الحرفي والكامل. وبذلك قدم الكاتب المعنى الحقيقي للمفهوم الكتابي للوحي.
بقلم موسى خوري
قائمة المحتويات
المقدمة
I. الوحي
1. تعريف الوحي وطبيعته
2. أنواع الوحي
3. طريقة الوحي
II. العقيدة الكتابية للوحي
1. نظريات غير كتابية عن الوحي
أ. نظرية الوحي الطبيعي
ب. نظرية الوحي الجزئي
ت. نظرية الوحي الموضوعي
ث. نظرية الوحي الإملائي
ج. نظرية الوحي الروحي
2. المفهوم الكتابي الصحيح للوحي
أ. الإعتراضات على نظرية الوحي الحرفي اللفظي الكامل
III. الدلائل والبراهين على صدق الوحي
1. براهين خارجية
2. براهين داخلية
الخاتمة
المراجع
المقــدمـة
إن الدارس الحقيقي لأي موضوع، هو بأن يكون إنساناً باحثاً عن الموضوع المراد بحثه، أو السبر في أغواره. في هذا البحث سوف يتطرق الكاتب لمفهوم الوحي الكتابي، لأنه يهم كل إنسان. ومن خلال الدراسة والبحث سيبحث الكاتب بدايةً في النقطة الرئيسية الأولى وهي تعريف كلمة الوحي بمفهومها الكتابي، وأيضاً ما هي طبيعته، ويذكر الكاتب أيضاً نوعين من الوحي وهما: الوحي الإلهي، والوحي الشيطاني، وعن طريقة الوحي وكيفية تعامل الله في توصيل كلمته لكتبة الوحي.
وبعد ذلك سيتطرق الكاتب للنقطة الرئيسية الثانية وهي عقيدة الوحي الكتابي من خلال النظريات غير الصحيحة عن الوحي، والتي تشمل نظريات "الوحي الطبيعي، الوحي الجزئي، الوحي الموضوعي، الوحي الإملائي، والوحي الروحي". وأيضا سوف يتم شرح المفهوم الكتابي الصحيح للوحي، بأن الوحي الإلهي هو وحي لفظي حرفي و كامل، والذي أظهر باقي النظريات بأنها غير كاملة وتحتاج لرد من كلمة الله، ولكن صار هناك إعتراضات وهجومات على الوحي الكتابي، سوف يتم الرد على هذه الإعتراضات كتابياً.
بينما في النقطة الرئيسية الثالثة والأخيرة في هذا البحث سيتم شرح البراهين والدلائل التي تبين صحة الكتاب المقدس، وهذه البراهين هي من داخل و خارج الكتاب المقدس، علماً بأنه لا يحتاج لأي برهان أبداً، وذلك لسمو كلماته وترابطه وإتحاده، بل يتمتع بالسلطة النهائية، وفرادة كاملة عن باقي الكتب الأخرى. ولكن أعطيت هذه الأدلة بسبب الهجومات البشرية على الكلمات الإلهية، وعلى ضوء ما تم شرحه، يقدم الكاتب إيمانه وثقته بهذا الوحي، ويعلن بأنه فريد في كل شيء. ولا يزال الكتاب المقدس حياً رغم موت الكتبة له، بل ونافع لكل جيل وعصر وزمان، وبذلك الوحي ضمن دقة إعلان الله.
في بداية هذا البحث سيتم التعرف على معنى الوحي وطبيعته، وأنواعه، وطريقته. ومن أجل تعريف دقيق وصحيح للوحي، هناك مفاهيم أساسية لتعريفة بشكل واضح، يوجد تعبيرات ترتبط بهذا الوحي مثل ( الإعلان، الوحي، السلطان، العصمة، والإستنارة )، يذكرها هنري ثيسن. في الإعلان الله قرر أن يعلن عن ذاته للإنسان، من خلال الإعلانين العام والخاص، فالعام يشتمل على "الطبيعة، التاريخ، والضمير"، بينما الخاص يشتمل على "الرب يسوع، والكتاب المقدس". إن المفهوم العام عن أسفار الكتاب المقدس هي إعلان الله عن ذاته، وفي بعض الأسفار جاء الإعلان مباشراً، والبعض الآخر جاء غير مباشر للعمليات الخلاصية من الله للبشر عبر التاريخ.
ثم جاء الوحي ليسجل الحق والحقيقة لستٍ وستون سفراً في الكتاب المقدس من خلال أناس مسوقين من الروح القدس (أع16:1/عب15:10-17/2بط21:1)، وهذه الأسفار موحى بها من الله (2تيم16:3). لذلك يحمل الكتاب المقدس في داخله السلطة الإلهية والنهائية على فكر، وعقل، وضمير، وإرادة كل البشر، بل الإنسان والكنيسة والعقيدة خاضعون لسلطة الكتاب، والمقياس الإلهي للخضوع هو عبارة "هكذا يقول الرب" بمعنى الله قد تكلم، ويجب على الإنسان الخضوع.
لذلك أسفار الكتاب المقدس هي معصومة عن الخطأ، بمعنى سجلت بدون أخطاء في المخطوطات الأصلية، أي أن الله عن طريق البشر أنتج وثيقة لا تحتوي على أخطاء في كل ما كتب تاريخياً، أو علمياً، أو عقيدةً، أو أخلاقياً، أو أدبياً. وهذه العصمة تشمل جميع الأسفار، وليست مقتصرة على تعاليم معينة، ولكن الله دبر بل أنار عقول معلمين لشرح كلمة الله للحصول على التفسير، لأنه بسبب الخطية لم يفهم البشر الأسفار فهماً صحيحاً (رو21:1/أف18:4). لكن روح الله يُنير ويُضيئ بصيرة الإنسان ليفهم الأسفار (1كو6:2-16/أف18:1/1يو20:2 ، 27).
عرّف الأستاذ "جايمس بيرس" كلمة الوحي بأنها تشير إلى نسمة في الجو، فهي مشتقة من الكلمة اليونانية المركبة من مقطعين "ثيوبنوستوس"، المقطع الأول يشير إلى الله، والثاني للتنفس، وتعني "نفس أو نسمة الله". فالوحي من طبيعته أن يضمن دقة الإعلان، والله وحده يضمن دقة عملية التوصيل إلى أواني الوحي، ويستخدم كلمة الوحي لضمان دقة الكلمة، بل الوحي يعطي السلطان للكلمة. الفكرة هنا هي أن الكتاب المقدس هو موحى به من الله كما هو مكتوب في (2تيم16:3)، وليس إلهام كما يدعي البعض، لأنه يوجد فرق كبير بينهما. الإلهام باللغة الإنجليزية يختلف عن الوحي باللغة العربية، والناس اليوم تضع كلمة الوحي على الإنسان وليس من الله، وفجأةً يصبح كل شخص يكتب كلام مثل الإغاني، أو ترنيمة عن مجئ المسيح؛ وهي مليئة بالأخطاء اللاهوتية، لأن كاتبها هو الإنسان. لكن لما سألوه عن الأخطاء اللاهوتية عن مجئ المسيح، دافع عن نفسه وقال: أنا ألُهمت بالكتابة مثل كُتّاب الكتاب المقدس، لذلك الذي أكتبه هو وحي.
والمشكلة هنا بأن نأخذ مفهوم الوحي ونخرجه من الكتاب ونطبقه على شخص آخر، لكن يجب أن يفهم الإنسان أن كلمة الوحي تختص بالكتاب المقدس فقط. والرجال الذين كتبوا الكتاب المقدس كانوا مُقادين ومسوقين بالروح القدس (2بط21:1). هذه الآية تصف عمل الله بالروح القدس في هؤلاء الرجال، وأنهم ملهمين بالروح القدس، لأن الوحي لا يتعلق بالشخص الذي كتب، بل بالكلام المكتوب. فكلمة مسوقين تعني محمولين ومعناها الضمني أن الله يحمل هؤلاء حتى لا يضلوا الطريق، بل تحمل في معناها الإشراف على كلمة الله، أي المراقبة للتأكد من العمل بأنه قد تم بصورة صحيحة. الروح القدس ليس فقط يُشرف عليهم، بل يحميهم من إرتكاب الأخطاء. إن ما فعله الروح القدس ولمئات السنين كان كافياً لشرح ماذا تعني كلمة الوحي. ما سيراه القارئ اليوم هو إضافة بعض الكلمات الأخرى لتصف بها تعريف الوحي بشكل أدق، لأنه دخل معلمون كذبة وعبثوا بتعريف كلمة الوحي، فهذه الكلمات تمثل الأساس لتعريف كلمة الوحي. الكلمة الأولى هي الله والروح القدس هو المشرف والقائد للكُتاب. بينما الكلمة الثانية هي الرجال المسوقين الذين اختارهم الله كقديسين ليكتبوا، لذلك الكتاب المقدس له مؤلف واحد هو الله وأربعين كاتبً. والكلمة الثالثة الوحي لفظي وكامل في كل أجزائه. والرابعة منزه عن الخطأ ويقصد بها المخطوطات الأصلية فقط. والخامسة كلمة معصوم عن الخطأ، وتشير إلى النسخ التي نُسخت من المخطوطات التي بين أيدي الإنسان الآن.
بينما "يوسف رياض" عرّف الوحي باللغة اليونانية ومعناها كما عرفها جايمس بيرس، ولكنه أضاف بأن الكتاب المقدس هو أنفاس الله أرسلها إلى أواني الوحي ليهب الحياة الروحية، ويذكر أيضاً تعريف "وبستر" لكلمة الوحي "بأنه تأثير روح الله الفائق للطبيعة على الفكر البشري، به تأهل الأنبياء والرسل والكتبة المقدسون، لأن يقدموا الحق الإلهي بدون أي مزيج من الخطأ".
ولكن "جيمس أنس" يُعرّف الوحي بأنه " عمل روح الله في العقل البشري إرشاداً للأنبياء والرسل، وكتبة الأسفار المقدسة، ليظهروا الحق الإلهي معصومين عن الخطأ".
والآن سيتطرق الكاتب إلى أنواع الوحي، فهناك نوعين فقط ولا يمكن أن يكون هناك وحي ثالث، النوع الأول هو الوحي الإلهي الذي أعطاه الله لنا على يد أنبيائه ورسله القديسين، ومن خلاله تم كتابة الكتاب المقدس، وهذا يُثبت مصداقيتة وقداسته ونفعه للآخرين (2تيم16:3-17 / 2بط20:1-21). بينما النوع الثاني هو الوحي الشيطاني الذي أعطاه الشيطان لأنبيائه ورسله الأشرار ليوصلوه لبعض الناس، ومن خلاله هناك كتب غير صحيحة كُتبت لتضليل الناس. يوصف هذا الوحي بأنه كاذب وغير مقدس، بل وضار (1تيم1:4/حز6:13 ،7 /مت15:7/ أع29:20/ مت11:24/2بط2:1/2كو13:11).
أما طريقة الوحي كان الله يتعامل بثلاث طرق لتوصيل أفكاره للإنسان، فكانت الأولى: هي إعلان روح الله لكتبة الوحي عن أفكاره التي يريدها أن تصل لأذهانهم. لكن الثانية: هي الوحي الذي يضمن الإعلان بالكتابة بحسب أقوال الروح القدس، بمعنى الكاتب يكتب ما يريده الله على الرقوق أو الورق. بينما الثالثة: هي الإستنارة. بعد إعلان الحق بالروح القدس لكُتاب الوحي المختارين من قبل الله، الله أوحى إليهم بالروح القدس ليوصَّلوا للإنسان نفس أفكار الله التي أملاها الروح القدس عليهم. وبعد ذلك الله دبر وأنار عقل الإنسان من جهة ما يريده الله أن يقوله، والذي تم كتابته في الكتاب المقدس. ولا يزال الإنسان اليوم يحتاج إلى إستنارة من روح الله ليفهم المكتوب (مز18:119).
والآن بعد أن تم التعرف على الوحي بشكل عام، سوف يشرح الكاتب العقيدة الكتابية للوحي والتي تتضمن نظريات غير كتابية، أو غير وافية وهي (الطبيعية، الجزئية،الموضوعية،الإملائية، والروحية). وأيضاً تتضمن نظرية الوحي اللفظي الحرفي الكامل، لكن على هذه النظرية هناك بعض الإعتراضات سيتطرق لها الكاتب. مبتدءاً من النظريات غير الوافية.
نظرية الوحي الطبيعي. يؤمن أصحاب هذه النظرية أن كُتاب الكتاب المقدس هم أشخاص عباقرة وعظماء، ولا يحتاجون إلى أية مساعدة خارقة للطبيعة كي يكتبوا الأسفار المقدسة. وهناك بعض الآراء المؤيدة لهذه النظرية يشرحها الكاتب "تشارلز رايري" وهي كالتالي: البعض يقول إن الكتّاب أنفسهم تخيّلوا ما كتبوه، وليس الله الذي تنفس بما كتبوه من كلمات. بينما البعض الآخر يقول إن الوحي ينطبق على كتب أخرى غير الكتاب المقدس، وليس هناك فرقاً بينهما. ولكن الرأي الثالث للبعض يقول إذا كان الوحي حقيقي لماذا لا يكتب عباقرة اليوم كتباً موحى بها مثل الكتاب المقدس. وأخيراً الراي الرابع لا يؤمن بعصمة الكتاب المقدس عن الخطأ.
بينما الكاتب "فنلي م. جراهم" يوضح نظرية الوحي الطبيعي أن أصحاب هذه النظرية قالوا أن الله لم يوحي لكُتّاب الكتاب المقدس أكثر من الكُتّاب الآخرين أمثال "شكسبير، وهوميروس"، أية بمعنى أن هذه النظرية تجعل من كُتّاب الأسفار المقدسة عباقرة دينيين. هذه النظرية تنكر دور الله بالإشراف والقيادة بالروح القدس لكُتّاب الوحي، واستخدام الله لشخصياتهم واسلوبهم حتى لا يخطئوا. (2بط21:1) "تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس".8
نظرية الوحي الجزئي. تنادي هذه النظرية بأن الله أعطى لكاتب السفر قدرة يحتاجها، وتكليف له حتى ينقل الحق نقلاً موثوقاً به، وهذا يجعل الكاتب معصوماً عن الخطأ في بعض الأمور مثل الإيمان، والممارسة، والتطبيق. ولكن في الأمور التي ليس لها صفة دينية مثل العلم والتاريخ تجعل الكاتب غير معصوم عن الخطأ. والمشكلة في هذه النظرية أن بعض الأسفار تُقبل، بينما البعض الآخر يُرفض، لأنه لا يُعرف من هذه الأسفار ما هو صحيح، أو ما هو خاطئ، لذلك الإنسان لا يقدر على التمييز مابين هو ضروري للإيمان، أم لا. هذا الرأي مخالف لتعليم كلمة الرب والتي تقول ان "كل الكتاب هو موحى به من الله" (2تيم16:3).
نظرية الوحي الموضوعي. أصحاب هذه النظرية يؤمنون بأن الله أوحى بأفكار الإعلان للكاتب فقط، وبعد ذلك ترك له أن يصوغ ويكتب هذه الأفكار بكلمات من عنده. بمعنى الكاتب يختار الكلمات التي تحلو له بدون تدخل من جانب الله. بتصور كاتب هذا البحث أن أصحاب هذه النظرية يفكرون بأن الكتاب المقدس فية تناقضات بسبب بعض المقاطع الصعبة الموجودة فيه، لكنهم فكروا بطريقتهم البشرية لا بطريقة الله ليتفادوا عدم معرفتهم لشرح أو حل هذه التناقضات للبشر وهذا العمل يُظهر الكبرياء وعدم المعرفة. إن المؤمن الحقيقي ينكر هذه النظرية كإنكار الكتاب المقدس لها، والذي يعلم بأن كل الكتاب موحى به بكل كلماته وألفاظه، بل ويؤكدها بولس في (1كو13:2) "التي نتكلم بها ايضا لا بأقوال تُعّلمها حكمة إنسانية بل بما يُعلمه الروح القدس قارنين الروحيّات بالروحيّات". وهنا يتكلم عن الأقوال، وأيضاً كما في (رو2:3) "كثير على كل وجه .أما أولاً فلأنهم أستؤمنوا على أقوال الله". يقول بولس أن اليهود أستؤمنوا لا على أفكار الله، بل على أقوال الله. لذلك من الصعب أن يفكر الإنسان في الأفكار ويفصلها عن الكلمات. "سوسي saucy" يعطي الخلاصة التي تقول إلى أنه "لا يمكن أن يوجد وحي بالأفكار لا يشمل الكلمات التي تعبر عن هذه الأفكار، فبالتأكيد لا بد أن الكلمات موحى بها أيضاً وليست الأفكار فقط".
نظرية الوحي الإملائية. يؤمن أصحاب هذه النظرية إن الله قام بإملاء كتبة الوحي لكتابة الكتاب المقدس، وكاتب السفر أصبح مجرد آلة طابعة، أو إنسان آلي مُجرّد من فرديته، وشخصيته. وأسلوب الكتابة حسب هذا الرأي هو اسلوب الروح القدس، لكن البعض طالب بوجود قواعد اللغة السليمة، لأن الروح القدس يعرف هذه القواعد. هذه النظرية تتناسى الإختلافات في أسلوب الكتابة من "موسى إلى يوحنا"، لكن يجب أن يعرف الإنسان أن مؤلف الكتاب المقدس هو الله نفسه، لأنه هو أوحى به، هذا من جهة، لكن من الجهة الأخرى هناك من يشترك بالكتابة للوحي وهم الرجال المسوقين من الله. لذلك الله لا يستخدم الأدوات الصامته، بل يستخدم الإنسان الحي المشاعر الشفافة من نحو الله. والدليل على ذلك أستخدم شخصية الإنسان في الإعلان عن نفسه للبشر ولم يرفضها. فهذه النظرية مرفوضة بتاتاً.
النظرية الوحي الروحية. يقول أصحاب هذه النظرية أن الله أوحى فقط في الأمور الروحية، بينما في الأمور الأخرى مثل العلم، أو التاريخ والآثار . . . إلخ، تحتمل إمكانية الخطأ فيها، مثل أية كتابات أخرى في ذلك الوقت. لذلك يقولون صحيح أن الله تكلم إلينا من خلال الكتاب المقدس، ولكن نصوصه ليست كلمة الله، بل رسالة روحية أتت من خلال هذه النصوص. وهنا يسأل الإنسان هل حوادث، وقصص، ومعجزات الكتاب المقدس كلها خيالية؟ وهل تعلمنا شيئاً؟ أصحاب هذه النظرية يقولون تعلمنا الإيثار وتقديم ما عندنا للآخرين، وهكذا. هناك شخص علق على قصة "إيليا" عندما أمسك المطر، وإعالته من قبل الغربان فقال: من جهة التاريخ هذه القصة خاطئة، بينما من الجهة الروحية صحيحة!! هذه النظرية تعلن عدم قبول كلمات الله بأنها "أقوال الله"، بذلك يصبح الإنسان يأخذ ما يراه مناسباً له ويرفض ما هو غير مناسب له من أقوال الله، ويكون القاضي الذي يحكم على كلمات الله، وبعد ذلك كيف يؤمن الإنسان ويثق في الكتاب المقدس بعد أن رفض سلطان كلمات الله. ترى من هو الذي يقرر ما هو صحيح وما هو خاطئ؟ إذا عمل الإنسان ذلك بكلمات الله فأنه يضع نفسه فوق الوحي، وسوف يحكم علية بلا هوادة ليفقد معناه الحقيقي. لا يوجد أية إشارة، أو تلميح، أو إستنتاج في الكتاب المقدس يعلن جزء منه مهم بينما الجزء الآخر غير مهم.
وبعد أن تم التعرف على النظريات غير الوافية، والتي تعلن ضعفها أمام الوحي الإلهي، سيتطرق الكاتب لشرح المفهوم الكتابي الصحيح للوحي. إن الله أشرف وأرشد وقاد كتبة الوحي بإستخدامه لشخصياتهم المميزة، حتى يكتبوا ما أراد الله أن يكتبوه بالروح القدس بدون أي خطأ، أو زيادة أو نقصان. بمعنى أن الإنسان لا يعرف كيف تعمل قوة الروح القدس، بسبب أن الوحي لا يمكن أبداً تفسيره، بل هو مقتصراً فقط على كتبة الوحي، ليس كباقي الكتب الأخرى التي لم يوحي بها الله بنفس المفهوم. الوحي هو إرشاد وإشراف الروح القدس على اختيار المواد المستخدم من قبله، وأيضاً الكلمات المستخدمة في الكتابة. لذلك الروح القدس لقد حفظ الكتبة من الخطأ، ومن كل إضافة أو زيادة ونقصان، والنتيجة الوحي لقد شمل الألفاظ والكلمات وليس الأفكار والمفاهيم فقط، فهو وحي تام مطلق لأنه كامل وبدون أي قيد لكل الأسفار، ولفظي حرفي لأنه يشمل كل كلمة وكل حرف (1كو13:2). إن الوحي الصحيح هو فقط الموجود في النص الأصلي في المخطوطات الأولى، وليس بالنسخ المترجمة القديمة أو الجديدة بحسب لغاتها العبريه أو اليونانية، ولا في أي نص آخر متداول، لأن جميع هذه النسخ يوجد بها إمكانية الخطأ، وبعض الكلمات منها لا زال الناس يتجادلون بها. لذلك يجب أن ينظر الإنسان لكل جملة في كلمة الله على أنها موحى بها، بل انها جديرة بالثقة.
ولكن الكاتب "يوسف رياض" وضح وعرف القارئ في كتابه "وحي الكتاب المقدس" بأن الوحي اللفظي الحرفي أو الكلي هو" تأثير إلهي مباشر يؤثر على ذهن كتبة الوحي، به تأهلوا لأن يقدموا الحق الإلهي بدون أدنى مزيج من الخطأ، وبناءاً عليه فإن الروح القدس أعطى كتبة الوحي لا الأفكار فحسب، بل قادهم قيادة ماهرة في إنشاء العبارات اللازمة للتعبير الخالي من الخطأ عن هذه الأفكار التي أعلنها لهم". أما بالنسبة لكتبة الوحي إن أدركوا ما يقولونه أو لم يدركوا ذلك، فأنهم تحت سيطرة كاملة من الروح القدس، علماً بأنه هناك درجات من الإدراك، لكن بالوحي لا يوجد درجات أبداً، بل أعطي لرجال الله بالتساوي. فالنبي عندما يتكلم بالوحي فأنه يتكلم بدون إدراك أو توقع أو دراية (1مل20:13/يو51:11/دا9،8:12/1بط12،11:1). إن الروح القدس قاد كتبة الوحي وعصمهم عن الخطأ للتعبير عن أفكار الله والتي تمثل العنصر الإلهي، وبنفس الوقت الله لم بفقدهم شخصياتهم لأنهم يمثلون العنصر البشري في كتابة الوحي، بل أخذوا قدرات خاصة من الله لأنه مصدر الوحي وحده لا الكتبة، بل استخدم لغة البشر في الكتاب المقدس ليخاطبنا بها، كما استخدم عقول وأفكار واختبارات وذاكرة وأذهان كتبة الوحي، بل أيضاً مشاعرهم وظروفهم، ومن خلال العنصرين الإلهي والبشري تجسدت كلمة الله. وكما قال الواعظ سبيرجن "إننا نناضل لأجل كل كلمة في الكتاب المقدس، ونؤمن بالوحي الحرفي واللفظي لكل كلمة من كلماته، بل إننا نعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك وحي للكتاب إذا لم يكن الوحي حرفياً فلو ضاعت الكلمات فإن المعاني نفسها تضيع". والقصد من تسمية الوحي اللفظي هو إبراز أهمية الألفاظ للتعبير الدقيق عن الفكر، والمختارة بدقة من قبل الله لهذا القصد.
لكن يوجد بعض الإعتراضات على هذا الوحي، هناك من يعترض على أن الوحي فيه إقتباسات تمت بجهل أو عن خطأ، مثل لما وقف بولس أمام حنانيا رئيس الكهنة (أع5:13)"فقال بولس لم اكن اعرف ايها الاخوة انه رئيس كهنة . . .". هنا موضوع الوحي ليس له علاقة بجهل بولس الذي إعترف به، لأن كتابة هذه الجملة هي موحى بها من الله، وعندما يؤكد الكتاب المقدس بأنه صادق وخالي من الأخطاء يجب على الإنسان قبوله فوراً وكما هو. في (1كو12:7) "واما الباقون فاقول لهم انا لا الرب ان كان اخ له امرأة غير مؤمنة وهي ترتضي ان تسكن معه فلا يتركها". هنا ما معنى قول بولس "أنا لا الرب"؟ بولس هنا يتكلم بالسلطان المعطى له من الله، وهو ينادي بالوحي، لكنه هو وضع التعاليم والممارسات والعقائد بسلطان، لن فيه روح الله القدوس. وأيضاً هناك معترض آخر يقول أن الكتاب المقدس ليس مرجعاً علمياً أو تاريخياً، وإذا هو موحى به لفظاً وحرفاً، يجب أن يتكلم بصدق عندما يتناول إحدى الموضوعات. لكن علم الآثار أكد دقة تاريخية قصص العهد القديم، ولم تعد الأسماء القديمة مشكلة عند المؤرخين، لأنه تم التعرف عليها تاريخياً من خلال القصص التي حدثت فعلاً في التاريخ مثل "أسماء حمورابي، كرنيليوس، غاليون . . . إلخ". وهناك إعتراضات أخرى مثل الإعتراض على عدم قبول المعجزات والنبوات. وأيضاً على الإقتباس من العهد القديم وتفسيره، وذلك بعدم إعطاء الحق للروح القدس في استخدام العهد القديم بأية طريقة. وأيضاً في الأخلاق والدين، أي بمعنى أن كل الأخطاء في الأخلاقيات وفي الدين هو موجود فقط في العهد القديم. لكن في رأي الكاتب يقول لهذا المعترض لولا ذكر أخطاء الآخرين وبصراحة لكان الكتاب المقدس غير موحى به، وكان أيضاً كنيسة اليوم مثالية، واصبحت كاملة وليست بحاجة للخلاص. لكن الكتاب المقدس يهتم بأدق التفاصيل ليبرز الحق للجميع، ولإبراز هدف وقصد الله أيضاً.وإلى هنا يكتفي الكاتب من طرح الإعتراضات بالتفصيل، ولكن فقط بشكل عام.
وأخيراً سيتطرق الكاتب إلى الدلائل والبراهين التي تثبت صدق وصحة الوحي، علماً بأن كلمة الله لا تحتاج إلى إثبات، لأن لها سلطة في ذاتها، فالله هو أعلى سلطة، أي بمعنى إن كان الكتاب المقدس هو كلمة الله، إذن هو يتكلم بسلطة مطلقة. هناك كتب أخرى تدعي أنها كلمة الله وموحى بها لكنها تناقض كلمة الله، ولكن الله لا يناقض نفسه، وكلمته أيضاً لا تناقض نفسها. وبسبب وجود الكتب الأخرى التي تناقض نفسها يجب أن يكون كتاب واحد هو الصحيح. لذلك يجب إبراز البراهين التي تثبت أن الكتاب المقدس هو كلمة الله بالمقارنة مع الكتب الأخرى.
أ. البراهين الخارجية.
1. تاريخ الكتاب المقدس. الكتاب المقدس يخضع للإمتحان التاريخي لأن معظمه تاريخي في المحتوى، فكان الشعب القديم أذكياء في تسجيل تاريخهم وعاداتهم وأشغالهم، فكانوا مميزين عن باقي الشعوب وعلى هذا الأساس علم الآثار أكد تاريخية الكتاب المقدس، لأنه لا يوجد اكتشاف واحد ضد أي عبارة في الكتاب المقدس. وبسبب الإكتشافات الأثرية تم التأكيد على الإعلانات التاريخيه للكتاب المقدس. قالوا عن موسى بأنه ليس هو الكاتب للأسفار الخمسة، لأن الكتابة في زمن موسى لم تكن موجودة، لكن العلم اكتشف شريعة حمورابي السابقة لأبراهيم وموسى. إذن الكتابة موجودة قبلهم بثلاثة قرون على الأقل.
2. شهادة المسيح عن الكتاب المقدس. بسبب دقة العهد الجديد تاريخياً فأنه يحتوي على تعاليم المسيح عن وحي الكتاب المقدس. إن كان المسيح يملك السلطة ويتكلم بالصدق، فإن الكتاب المقدس هو موحى به وهو كلمة الله، لأن المسيح تمسك في وحي الكتاب المقدس وسلطانه، لذلك الإنسان الذي يرفض وحي كلمة الله فهو يرفض سلطان المسيح.
3. شهادة النبوات المحققة في الكتاب المقدس. إن الكتاب المقدس يشتمل على نبؤات قد تحققت مثل زمن ميلاد المسيح (دا9)، بلده وموطنه (مي2:5)، طبيعة ميلاده العذراوي (إش14:7)، وهناك العشرات من النبؤات عن حياته وموته وقيامته (إش53) . . . إلخ. وأيضاً هناك نبؤات لم تتحقق بعد مثل سفر الرؤيا.
4. صدق وأمانة كتبة الوحي. لا يوجد أي سبب يشير إلى الكتبة بأنهم غير صادقين أو غير أمناء، لكنهم كانوا مقتنعين بأن الله قد تكلم إليهم، وكتبوا ما رأوه وشاهدوه من موت وقيامة المسيح. من السذاجة أن يفكر الإنسان ويقول بأن التلاميذ كانوا مخدوعين بعد التغيير الذي حصل لحياتهم. وباختصار أمانة الكُتّاب تدعم ألوهية كتاباتهم وسلطتها.
5. إثبات المعجزات المؤيدة لعملية وحي الكتاب المقدس. المعجزة هي عمل الله وحده ليؤكد كلامه من خلال أنبيائه (يو2:3) "هذا جاء الى يسوع ليلا وقال له يا معلّم نعلم انك قد أتيت من الله معلّما لان ليس احد يقدر ان يعمل هذه الآيات التي انت تعمل ان لم يكن الله معه". قول بطرس في يوم الخمسين (أع22:2) "ايها الرجال الاسرائيليون اسمعوا هذه الاقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما انتم ايضا تعلمون".
6. طبيعة الكتاب المقدس الفريدة. إن فرادة الكتاب المقدس تختلف عن أي كتاب قبله أو بعد
(أ) فريد في توزيعه. لأنه لا يزال لغاية اليوم يوزع، ولا يضاهيه أي كتاب بالعالم، لكن الكتاب المقدس مستمر في التوزيع رغم إمكانية التوزيع لكتاب آخر في الشهر تكون كبيرة جداً، ولكنة سيأتي وقت وسيتوقف عن التوزيع، أو تقل قيمته الشرائية. جوش ماكدويل: "إن جمعية الكتاب المقدس، منذ ثلاثين عاماً، إضطرت أن تطبع منه نسخة كل ثلاث ثواني، ليلاً ونهاراً، و 1369 نسخة كل ساعة ليلاً ونهاراً، و32876 نسخة كل يوم في السنة . . وضعت في 4583 صندوقاً وتزن 490طناً. هذا لا يبرهن أن الكتاب المقدس هو كلمة الله، ولكن هذا يبرهن أن الكتاب المقدس كتاب فريد".
(ب) فريد في ترجمته. الكتاب المقدس هو أول كتاب تمت ترجمته في العهد القديم من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية عام 250ق.م. وتسمى هذه الترجمة "السبعينية"، وترجم إلى 1808 لغة ولهجة تمثل أكثر من 99% من سكان العالم، ولم يفقد شيئاً من ترجمته، لأنه معجزة في المعنى والمحتوى ورسالة إعلان محبة الله للبشر.
(ت) فريد في بقائه. إن الكتاب المقدس يتفوق في عدد المخطوطات المنقولة، وعدد الترجمات، والدقة في النقل، والإقتباسات. هناك الكثير من البشر حاولوا أن يفنوا الكتاب المقدس بإعتقادهم بأنه مجموعة خرافات، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل لأنه تحمل كل هجوماتهم، وبقي ثابتاً كالصخرة. إن مصدر ثبات كلمة الله هو أنه لا يخاف من تهجم و نقد البشر له، بل أنه ثابت للأبد. كتب جوش ماكدويل بهذا الخصوص، "لقد أعلن البعض، آلاف المرات، موت الكتاب، ورتبوا جنازته، وجهزوا شاهد قبره، لكن الكتاب ظل حياً، ولم يحدث أن كتاباً آخر لقي كل هذه الغربلة والطعنات، فأي كتاب من كتب الفلسفة أو المذكرات لقي ما لقيه الكتاب المقدس من تجريح، على كل آية فيه. لكن الكتاب بقي محبوباً من الملايين، يقرأه الملايين ويدرسه الملايين، لأنه يملأ إحتياجات الملايين". ومات جميع النقاد وبقي هو حياً. فقد قال الرب يسوع محذراً في (مر31:13) " السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول"
(ث) فريد في تأثيره على الأدب والحضارات والتاريخ. لم يؤثر كتاب على الفكر، وعلى الفن، وعلى الحث على أهم الإكتشافات التاريخية مثل الكتاب المقدس. وهذا واضح لكل من يدرس التاريخ. فلو تم إبادة كل نسخة من نسخ الكتاب المقدس اليوم، سوف يتم إرجاع المعلومات والإقتباسات المأخوذة من كتب مكتبة واحدة في مدينة.
ب. البراهين الداخلية.
عند الدخول بالإيمان إلى أعماق الكتاب المقدس يتأكد المؤمن تأكيداً واضحاً من صدق صحته، فيجد الراحة الحقيقية والكاملة. والكتاب المقدس فريد ولا يساوي أبداً أي كتاب آخر مهما كانت شهرته، فهناك براهين من داخله تثبت بأنه فريد.
1. طبيعته الفريدة. يتكلم الكتاب المقدس بسلطان مثل يسوع: (يو46:7) "اجاب الخدام لم يتكلم قط انسان (كتاب) هكذا مثل هذا الانسان (الكتاب)" .بل ويُظهر الصفات الإلهية التي مصدرها من الله، وأيضاً الكتاب المقدس يُظهر جميع الدلائل بأنه يقول الحق.
2. شهادة الروح القدس على فرادة الكتاب المقدس. في (رو16:8) " الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله"، وإن الكتاب المقدس هو كلمة الله في (2بط19:1-20). وهنا نفس الروح الذي أوصل حق الله يؤكد لكل مؤمن أن الكتاب المقدس هو كلمة الله. والروح القدس يستخدم هذه الكلمة المكتوبة ليعطي تأكيداً للمؤمن شخصي وذاتي، لذلك شهادة الروح القدس لم تأتي من فراغ، بل أعطت أيضاً تأكيداً بسلطة الكتاب المقدس.
3. قدرته على التغيير. الكتاب المقدس عنده القدرة الكاملة لتجديد الإنسان الخاطئ مهما كانت حالته، والعمل على بنائه روحياً، فسموه يبرهن قدرته الفائفة على التغيير (عب12:4/1بط2:2). يوجد الكثير من الشهادات عن التغيير للأشرار، والضعفاء، والحزانى، والجهلاء.
4. فريد في وحدته وترابطه. لا يوجد أي إعلان أو تعليم جديد إلا ويكون على إنسجام تام مع ما سبقه من إعلانات سابقة. فكل الأنبياء والكُتّاب هم على إتفاق تام بالكتابة. هذا هو أحد الإمتحانات والبراهين الهامة لصحة الوحي (تث1:13-5/20:18-22). كتب الكتاب المقدس خلال فترة 1600 سنة، أو 60 جيل، ومن 40 كاتب مختلف مثل موسى القائد السياسي، عاموس الراعي، يشوع القائد العسكري، دانيال رئيس الوزراء، سليمان الملك، متى جابي الضرائب، بطرس الصياد، وبولس رجل الدين. وفي أماكن مختلفة، موسى في الصحراء، إرمياء في جب السجن، بولس داخل السجن، يوحنا في جزيرة بطمس، وآخرون في أرض المعارك. وفي الأزمنة المختلفة، داود وقت الحرب، وسليمان وقت السلم. وفي أحوال نفسية مختلفة، في الفرح وفي الحزن، في الواقعية والتمني، وفي ثلاث قارات آسيا، أفريقيا،وأوروبا، وفي ثلاث لغات العبرية، الآرامية، واليونانية، وفي مختلف أنواع الأدب فهناك التاريخ، والقانون المدني، الجنائي، الأخلاقي، الديني، والصحي، والشعر الديني، المقالات القصيرة، الأمثال، الكتابات الرمزية، حياة شخصية، مراسلات، مذكرات شخصية، والكتابات النبوية. وعن مئات المسائل والمواضيع، لكنه مترابط ومتحد مع بعضه البعض. لا يمكن أن يفهم الإنسان جزء من الكتاب المقدس إلا في ضوء إرتباطه ببقية الأجزاء، تماماً مثل جسم الإنسان لايمكن فهم أي جزء إلا في ضوء إرتباطه مع باقي الأجزاء. إن سبب وحدة الكتاب المقدس هو أن الأسفار أضيفت بعد كتابتها، ثم جُمعت لأنها أعتبرت موحى بها. فكل جزء منه يقدم دورة بإنسجام كامل بقيادة شخص واحد، وله كل السيادة.
5. تعاليمه فريدة. تعاليم الكتاب المقدس تشتمل على شخصية الله، الخطية، الخلاص، النبؤات، التاريخ، الشخصيات، والكثير من المواضيع المختلفة. ليس هناك كتاب يجمع كل هذه المزايا والبراهين الداخلية والخارجية، كما يجمعها الكتاب المقدس. هناك هوة عظيمة ما بينه وما بين أي كتاب آخر.
وفي نهاية هذا البحث يؤمن الكاتب بالوحي الحرفي اللفظي الكامل كما سبق وتم شرحه في جسم البحث.
الخاتمة
ختاماً لهذا البحث سوف يتم تلخيص ما قد ذكر من نقاط رئيسية، والتي كانت موضع إهتمام الكاتب ليبحث ويدرس ويحلل المفهوم الكتابي للوحي كفكرة رئيسية في هذا البحث. وتم التطرق إلى تعريف كلمة الوحي، وطبيعته، وأنواعه، وما هي الطريقة التي تم توصيل الوحي للكتاب. وبعد ذلك تم شرح مفهوم العقيدة الكتابية للوحي من خلال بعض النظريات غير الوافية، والتي لا تعطي صحة للوحي مثل نظرية الوحي الطبيعي، نظرية الوحي الجزئي، نظرية الوحي الموضوعي، نظرية الوحي الإملائي، ونظرية الوحي الروحي، وتم شرح كل نظرية بما تؤمن أو تنادي بحسب عقيدتها ومفهومها. هذه النظريات أثبتت ضعفها، وعدم صحتها أمام الوحي اللفظي الحرفي والكامل، والذي تم التطرق إليه في جسم هذا البحث. فكان هذا الوحي إيمان الكاتب، وبحسب بعض المفسرين تم شرحه وتوضيحه بصورة دقيقة، بأن الروح القدس قاد وأشرف على كُتاب الوحي ليكتبوا ما يريد هو بالتمام، وأيضاً ليحفظهم من أي خطأ، بل مستخدماً شخصياتهم في كتابة كلمتة الموحى بها، لذلك كل حرف وكل كلمة وكل جملة وكل الكتاب المقدس هو وحي من الله. ولكن هناك البعض يعترض على الوحي اللفظي الحرفي الكامل، وتم التطرق إليها والرد عليها، ومن خلال ذلك أيضاً تم توضيح بعض البراهين من داخل وخارج الكتاب المقدس، والتي تثبت صحة كلمة الله، وأنها موحى بها من الله. علماً بأن الكتاب المقدس لا يحتاج إلى أي إثبات بسبب سموه عن الكتابات الأخرى، وسلطته المطلقة والنهائية، ولكن أعطيت البراهين والدلائل بسبب ضعف تفكير الإنسان المحدود عن كلمة الله. وأخيراً قدم الكاتب إيمانه وتأييده للوحي اللفظي الحرفي والكامل. وبذلك قدم الكاتب المعنى الحقيقي للمفهوم الكتابي للوحي.
عدل سابقا من قبل موسى خوري في 2010-03-09, 6:08 pm عدل 2 مرات
موسى خوري- مشرف
- عدد المساهمات : 19
نقاط : 25
تاريخ التسجيل : 29/01/2010
العمر : 64
رد: المفهوم الكتابي للوحي
اخوتي الأحباء انني أشجعكم لقراءة هذا البحث لأنه يدخل في صميم عقيدتنا كمسيحيين، وكيف أن الوحي يضمن دقة كلمة الله المعلنة لنا كما تم شرحها في البحث الأول بعنوان دقة العهد الجديد اليوم الرب يبارككم ويبارك تعب محبتكم
موسى خوري- مشرف
- عدد المساهمات : 19
نقاط : 25
تاريخ التسجيل : 29/01/2010
العمر : 64
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى