عظة أحد الموتى المؤمنين.
صفحة 1 من اصل 1
عظة أحد الموتى المؤمنين.
عظة أحد الموتى المؤمنين.
إنجيل الأحد:
قال الربّ يَسُوع: كَانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وَالكَتَّانَ النَّاعِم، وَيَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَفْخَرِ الوَلائِم. وكانَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ ٱسْمُهُ لَعَازَرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ، تَكْسُوهُ القُرُوح. وكانَ يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتَاتِ المُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الغَنِيّ، غَيْرَ أَنَّ الكِلابَ كَانَتْ تَأْتِي فَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. وَمَاتَ المِسْكينُ فَحَمَلَتْهُ ٱلمَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبْرَاهِيم. ثُمَّ مَاتَ الغَنِيُّ وَدُفِن. وَرَفَعَ الغَنِيُّ عيْنَيْه، وَهُوَ في الجَحِيمِ يُقَاسِي العَذَاب، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيد، وَلَعَازَرَ في حِضْنِهِ. فَنَادَى وقَال: يا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، إِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُتَوَجِّعٌ في هذَا اللَّهِيب. فَقالَ إِبْرَاهِيم: يا ٱبْنِي، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْراتِكَ في حَيَاتِكَ، وَلَعَازَرُ نَالَ البَلايَا. والآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا، وأَنْتَ تَتَوَجَّع. وَمَعَ هذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم هُوَّةً عَظِيمَةً ثَابِتَة، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْتَازُوا مِنْ هُنا إِلَيْكُم لا يَسْتَطْيعُون، ولا مِنْ هُناكَ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنا. فَقَالَ الغَنِيّ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَ لَعَازَرَ إِلَى بَيْتِ أَبي، فإنَّ لي خَمْسَةَ إِخْوة، لِيَشْهَدَ لَهُم، كَي لا يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إِلى مَكَانِ العَذَابِ هذَا. فقَالَ إِبْرَاهِيم: عِنْدَهُم مُوسَى وَالأَنْبِياء، فَلْيَسْمَعُوا لَهُم. فَقال: لا، يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، ولكِنْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِم وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُون. فقالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: إِنْ كانُوا لا يَسْمَعُونَ لِمُوسَى وَالأَنْبِيَاء، فَإِنَّهُم، وَلَو قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَات، لَنْ يَقْتَنِعُوا!».
تفسير الإنجيل:
إن كانوا لا يستمعون إلى موسى والأنبياء، فهم لا يقتنعون ولو قام واحد من الأموات.
بني هذا المثل على موضوع إنقلاب الوضع بين السماء والارض. فالمشهد على الأرض يجعلنا أمام شخصين. الأول غني جداً. ويظهر غناه بلباسه الناعم وولائمه اليومية. والثاني فقير اسمه لعازر. هذا هو الشخص الوحيد الذي نعرف اسمه في أمثال يسوع. ويشدّد "الخبر" على شقائه ذاكراً مرضه وفقره. من جهة الرفاه و"البعزقة". ومن جهة أخرى الفقر المطلق.
لا اتصال ممكناً بين هذين العالمين. ولا نجد إلاّ كلباً مشفقاً على لعازر البائس. إن المثل لا يقدّم حكماً أخلاقية. هو لا يقول إن الغني كان شريراً أو أنانياً. ولا يقول إن لعازر كان فقيراً صالحاً فاستحق له صلاحه "السماء". أما ذكر "الوليمة" لدى الغني، فيدّل على أنه عرف ان يتنعّم مع أصداقائه.7;.
وهكذا عارض الراوي بين حالتين. وحافظ على هذا التعارض في موت الشخصين بعد أن قلب دور كل منهما. وجد الفقير نفسه "في حضن ابراهيم". أما الغني فكان "فريسة العذاب"، ولا أحد يخفف من آلامه.
ويأتي كلام ابراهيم فيشدّد على انقلاب في الوضع: "نلت السعادة على الأرض ولعازر الشقاء. والآن وجد هو العزاء، وجاء دورك لتتألّم".
ولكن الخبر يقدّم البعد الاخلاقي الذي ننتظر من يسوع. فالغني الذي لم يرَ لعازر تحت مائدته، قد فهم أنه ضلّ طريقه. وهو يتمنّى لاخوته الذين يعيشون في الرفاه عينه والعمى ذاته، أن تنفتح عيونهم قبل فوات الأوان. فيشدّد جواب ابراهيم على أن أعظم العجائب لا تفيد شيئاً. هناك وسيلة لا تخطىء تبقي عيوننا مفتوحة: "لهم موسى والأنبياء". لهم كلام الله فليستمعوا إليه وليعملوا بموجبه. وهذا يكفي.
إن الشريعة تطلب من المؤمن أن يجمع في جوابه الله والانسان، وأن يبني حتى على الأرض جماعة إيمان ومقاسمة. والأنبياء، ندّدوا بالخطايا الخفية، ولا سيما تلك التي تستبعد الفقراء، وتسيء إليهم. فمن أساء إلى المسكين أساء إلى الله نفسه. فالعهد الذي تلخّصه الوصايا العشر يفرض على المؤمن أن يحب الله والقريب محبة واحدة. فالوصية الثانية (محبة القريب) تشبه الوصية الأولى (محبّة الله).
"ويل للذين تمرّغوا في الرفاه واعتبروا أنهم في أمان". هكذا حمل عاموس النبي على الأغنياء، في عصره، وهم يعيشون في الأنانية. لقد سبق يسوع الذي قال: "طوبى للفقراء، ويل للأغنياء". كلمات قاسية، كلمات مخيفة! فكيف نتقبّلها؟ ومثل لعازر والغني صورة معبرّة عن هذا الواقع. ولكن هذا المثل يدفعنا إلى التفكير الجدي. وهو يتوسّع في خطّين: أولاً، الاهتمام بمقاسمة خيراتنا مع المحتاجين. ثانياً، الحياة بعد الموت. والخط الأول يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالخط الثاني.
إن الإنجيل يهتم إهتماماً خاصاً بالفقراء. ونحن ما هو إهتمامنا؟ هناك عاطلون عن العمل. هناك صور من التعاسة المنظورة والخفية. فعلى المسيحيين أن يشاركوا بسخاء في المنظمات الكنسية التي تهتم بالفقراء والمصابين. ونحن نشارك لا بأعمال الصدقة وببعض المال فحسب، بل نضحّي بوقتنا وجهدنا. نستمع إلى الفقراء، نتقبّلهم، نفتح لهم قلوبنا. لا شيء يحلّ محل الاهتمام الشخصي والحديث من القلب إلى القلب مع الذين يتألّمون صامتين، مع الذين يعيشون وحدهم وهم ينتظرون بعض الحب أكثر مما ينتظرون المال.
ويعلن يسوع أيضاً في هذا المثل سراً عظيماً: لن يكون للموت الكلمة الأخيرة. فالله يتقبّل في حياته التي هي كلها علاقة حب، كل الذين تركوا هذه الحياة الارضية. نحن أمام حبّ تفتّح منذ هذه الحياة بعطاء ذاتنا لإخوتنا. وموت يسوع وقيامته ختما هذا الوعد وألقيا الضوء على معناه. فحين بذل المسيح حياته في حبّ ذهب به إلى الغاية، دعانا لكي نعطي ذاتنا في بساطة حياتنا اليومية. غير أننا نستطيع أن نرفض هذا النداء، أن ننسى ما يطلبه الله منا. فهل نخاف عقاب الله العادل والمنتقم؟! بل يجب علينا بالأحرى أن نطرح على نفوسنا السؤال التالي: إذا رفضنا أن نحب اليوم، فكيف نستطيع أن نحب غداً؟ سندان على المحبة. سندين نفوسنا على ضوء المحبة.
فعلينا أن نختار بين عالم الحب وعالم اللاحب. علينا أن نختار بين عالم الأغنياء وعالم الفقراء. أما الله فقد اختار. ونحن حين نختار الفقراء والمرذولين والمسحوقين، نختار أن نكون من جماعة الله، مع الله.
يبدو لوقا قاسياً بالنسبة إلى الأغنياء. فالغنى يجعل الأغنياء تعساء. الأغنياء تعساء لأنهم عميان، ولأنهم لا يرون الفقير على بابهم. وحين يموت الغني، يفتح عينيه فيرى المسافة التي تفصله عن لعازر الذي تقبّله ابراهيم في حضنه.
والأغنياء تعساء لأنهم يصمّون آذانهم عن سماع كلمة الله. فالغني وأخوته لم يستمعوا إلى كلمة موسى والانبياء، فكيف يتقبّلون تعليم لعازر الآتي من عالم الموت؟
حكم لا عودة عنه. وتعارض بين عالم السعادة ونار الألم. هل من مخرج؟ أجل، شرط أن يبدّل الغني نظرته إلى الأمور، ويكتشف أن الغنى ليس ملكاً خاصاً به، بل خيراً يشرك فيه أخوته. أجل، شرط أن يفتح الغني أذنيه ليسمع صراخ المساكين الذين ظلمهم.
فيا رب، أعطنا روح الفقر. وعلّمنا أن نرى في الانسان لا مالاً يملكه، بل صورتك التي تعدنا بأطيب المجازاة لكأس ماء بارد اعطيناها كأنها لك.
في هذا الأحد نتذكر بصلواتنا "الموتى المؤمنين". والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا نصلي للراقدين الذين انتقلوا من هذا العالم؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من الاطلاع على تعاليم وإيمان الكنيسة. هناك "الكنيسة المجاهدة" وتمثل البشرية الحية المؤمنة والتي ما تزال تكافح يوميا في النفس والجسد وفي مختلف قارّات الأرض لعمل مشيئة الله. وهناك "الكنيسة المنتصرة" وتمثل الأنفس التي رقدت بسلام الرب, والمحررين من كل عداء وانقسام, يتنعمون إلى الأبد في السماء باتحادهم مع يسوع المسيح وحبه ونعمه, ويشاهدون المجد الأبدي لله وأبنائه المخلصين. وهناك أيضا "الكنيسة المتألمة" التي توفي أبناؤها وهم في حالة النعمة, ولكن قبل أن يكفـّروا عن كامل ذنوبهم التي اقترفوها على الأرض. هؤلاء الأنفس التي تتألم في "المطهر" لتتطهر مما كان عالقا بها من أوساخ الخطيئة عند انتقالها من هذا العالم, لتصبح نقية بلا شائبة, كي تتمكن من الإنتقال للأمجاد السماوية, والإتحاد مع خالقها.
إن الروابط الوثيقة التي تجمعنا مع القديسين في السماء من جهة, ومع الأنفس المطهرية المعذبة من جهة أخرى, تفرض علينا واجبين: مع المختارين, الذين نفرح بدخولهم إلى نعيم الآخرة ونتضرع إليهم لكي يحمونا ويساعدونا على العيش حياة مسيحية حقيقية من جهة, ومع الأنفس المطهرية من جهة أخرى, لنعطيهم الراحة بصلواتنا وتقشفاتنا وخاصة بالذبيحة الإلهية. يحبّ القديسون عمل الرحمة هذا. فبكمال حبهم, يفرحون للراقدين المؤمنين الذين ينتقلون من عذابات المطهر التي استحقوها من جرّاء سيرة حياتهم الأرضية ليشاركوا أبناء الله في الحياة السماوية الخالدة.
إنجيل الأحد:
قال الربّ يَسُوع: كَانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وَالكَتَّانَ النَّاعِم، وَيَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَفْخَرِ الوَلائِم. وكانَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ ٱسْمُهُ لَعَازَرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ، تَكْسُوهُ القُرُوح. وكانَ يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتَاتِ المُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الغَنِيّ، غَيْرَ أَنَّ الكِلابَ كَانَتْ تَأْتِي فَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. وَمَاتَ المِسْكينُ فَحَمَلَتْهُ ٱلمَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبْرَاهِيم. ثُمَّ مَاتَ الغَنِيُّ وَدُفِن. وَرَفَعَ الغَنِيُّ عيْنَيْه، وَهُوَ في الجَحِيمِ يُقَاسِي العَذَاب، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيد، وَلَعَازَرَ في حِضْنِهِ. فَنَادَى وقَال: يا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، إِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُتَوَجِّعٌ في هذَا اللَّهِيب. فَقالَ إِبْرَاهِيم: يا ٱبْنِي، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْراتِكَ في حَيَاتِكَ، وَلَعَازَرُ نَالَ البَلايَا. والآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا، وأَنْتَ تَتَوَجَّع. وَمَعَ هذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم هُوَّةً عَظِيمَةً ثَابِتَة، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْتَازُوا مِنْ هُنا إِلَيْكُم لا يَسْتَطْيعُون، ولا مِنْ هُناكَ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنا. فَقَالَ الغَنِيّ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَ لَعَازَرَ إِلَى بَيْتِ أَبي، فإنَّ لي خَمْسَةَ إِخْوة، لِيَشْهَدَ لَهُم، كَي لا يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إِلى مَكَانِ العَذَابِ هذَا. فقَالَ إِبْرَاهِيم: عِنْدَهُم مُوسَى وَالأَنْبِياء، فَلْيَسْمَعُوا لَهُم. فَقال: لا، يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، ولكِنْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِم وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُون. فقالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: إِنْ كانُوا لا يَسْمَعُونَ لِمُوسَى وَالأَنْبِيَاء، فَإِنَّهُم، وَلَو قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَات، لَنْ يَقْتَنِعُوا!».
تفسير الإنجيل:
إن كانوا لا يستمعون إلى موسى والأنبياء، فهم لا يقتنعون ولو قام واحد من الأموات.
بني هذا المثل على موضوع إنقلاب الوضع بين السماء والارض. فالمشهد على الأرض يجعلنا أمام شخصين. الأول غني جداً. ويظهر غناه بلباسه الناعم وولائمه اليومية. والثاني فقير اسمه لعازر. هذا هو الشخص الوحيد الذي نعرف اسمه في أمثال يسوع. ويشدّد "الخبر" على شقائه ذاكراً مرضه وفقره. من جهة الرفاه و"البعزقة". ومن جهة أخرى الفقر المطلق.
لا اتصال ممكناً بين هذين العالمين. ولا نجد إلاّ كلباً مشفقاً على لعازر البائس. إن المثل لا يقدّم حكماً أخلاقية. هو لا يقول إن الغني كان شريراً أو أنانياً. ولا يقول إن لعازر كان فقيراً صالحاً فاستحق له صلاحه "السماء". أما ذكر "الوليمة" لدى الغني، فيدّل على أنه عرف ان يتنعّم مع أصداقائه.7;.
وهكذا عارض الراوي بين حالتين. وحافظ على هذا التعارض في موت الشخصين بعد أن قلب دور كل منهما. وجد الفقير نفسه "في حضن ابراهيم". أما الغني فكان "فريسة العذاب"، ولا أحد يخفف من آلامه.
ويأتي كلام ابراهيم فيشدّد على انقلاب في الوضع: "نلت السعادة على الأرض ولعازر الشقاء. والآن وجد هو العزاء، وجاء دورك لتتألّم".
ولكن الخبر يقدّم البعد الاخلاقي الذي ننتظر من يسوع. فالغني الذي لم يرَ لعازر تحت مائدته، قد فهم أنه ضلّ طريقه. وهو يتمنّى لاخوته الذين يعيشون في الرفاه عينه والعمى ذاته، أن تنفتح عيونهم قبل فوات الأوان. فيشدّد جواب ابراهيم على أن أعظم العجائب لا تفيد شيئاً. هناك وسيلة لا تخطىء تبقي عيوننا مفتوحة: "لهم موسى والأنبياء". لهم كلام الله فليستمعوا إليه وليعملوا بموجبه. وهذا يكفي.
إن الشريعة تطلب من المؤمن أن يجمع في جوابه الله والانسان، وأن يبني حتى على الأرض جماعة إيمان ومقاسمة. والأنبياء، ندّدوا بالخطايا الخفية، ولا سيما تلك التي تستبعد الفقراء، وتسيء إليهم. فمن أساء إلى المسكين أساء إلى الله نفسه. فالعهد الذي تلخّصه الوصايا العشر يفرض على المؤمن أن يحب الله والقريب محبة واحدة. فالوصية الثانية (محبة القريب) تشبه الوصية الأولى (محبّة الله).
"ويل للذين تمرّغوا في الرفاه واعتبروا أنهم في أمان". هكذا حمل عاموس النبي على الأغنياء، في عصره، وهم يعيشون في الأنانية. لقد سبق يسوع الذي قال: "طوبى للفقراء، ويل للأغنياء". كلمات قاسية، كلمات مخيفة! فكيف نتقبّلها؟ ومثل لعازر والغني صورة معبرّة عن هذا الواقع. ولكن هذا المثل يدفعنا إلى التفكير الجدي. وهو يتوسّع في خطّين: أولاً، الاهتمام بمقاسمة خيراتنا مع المحتاجين. ثانياً، الحياة بعد الموت. والخط الأول يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالخط الثاني.
إن الإنجيل يهتم إهتماماً خاصاً بالفقراء. ونحن ما هو إهتمامنا؟ هناك عاطلون عن العمل. هناك صور من التعاسة المنظورة والخفية. فعلى المسيحيين أن يشاركوا بسخاء في المنظمات الكنسية التي تهتم بالفقراء والمصابين. ونحن نشارك لا بأعمال الصدقة وببعض المال فحسب، بل نضحّي بوقتنا وجهدنا. نستمع إلى الفقراء، نتقبّلهم، نفتح لهم قلوبنا. لا شيء يحلّ محل الاهتمام الشخصي والحديث من القلب إلى القلب مع الذين يتألّمون صامتين، مع الذين يعيشون وحدهم وهم ينتظرون بعض الحب أكثر مما ينتظرون المال.
ويعلن يسوع أيضاً في هذا المثل سراً عظيماً: لن يكون للموت الكلمة الأخيرة. فالله يتقبّل في حياته التي هي كلها علاقة حب، كل الذين تركوا هذه الحياة الارضية. نحن أمام حبّ تفتّح منذ هذه الحياة بعطاء ذاتنا لإخوتنا. وموت يسوع وقيامته ختما هذا الوعد وألقيا الضوء على معناه. فحين بذل المسيح حياته في حبّ ذهب به إلى الغاية، دعانا لكي نعطي ذاتنا في بساطة حياتنا اليومية. غير أننا نستطيع أن نرفض هذا النداء، أن ننسى ما يطلبه الله منا. فهل نخاف عقاب الله العادل والمنتقم؟! بل يجب علينا بالأحرى أن نطرح على نفوسنا السؤال التالي: إذا رفضنا أن نحب اليوم، فكيف نستطيع أن نحب غداً؟ سندان على المحبة. سندين نفوسنا على ضوء المحبة.
فعلينا أن نختار بين عالم الحب وعالم اللاحب. علينا أن نختار بين عالم الأغنياء وعالم الفقراء. أما الله فقد اختار. ونحن حين نختار الفقراء والمرذولين والمسحوقين، نختار أن نكون من جماعة الله، مع الله.
يبدو لوقا قاسياً بالنسبة إلى الأغنياء. فالغنى يجعل الأغنياء تعساء. الأغنياء تعساء لأنهم عميان، ولأنهم لا يرون الفقير على بابهم. وحين يموت الغني، يفتح عينيه فيرى المسافة التي تفصله عن لعازر الذي تقبّله ابراهيم في حضنه.
والأغنياء تعساء لأنهم يصمّون آذانهم عن سماع كلمة الله. فالغني وأخوته لم يستمعوا إلى كلمة موسى والانبياء، فكيف يتقبّلون تعليم لعازر الآتي من عالم الموت؟
حكم لا عودة عنه. وتعارض بين عالم السعادة ونار الألم. هل من مخرج؟ أجل، شرط أن يبدّل الغني نظرته إلى الأمور، ويكتشف أن الغنى ليس ملكاً خاصاً به، بل خيراً يشرك فيه أخوته. أجل، شرط أن يفتح الغني أذنيه ليسمع صراخ المساكين الذين ظلمهم.
فيا رب، أعطنا روح الفقر. وعلّمنا أن نرى في الانسان لا مالاً يملكه، بل صورتك التي تعدنا بأطيب المجازاة لكأس ماء بارد اعطيناها كأنها لك.
في هذا الأحد نتذكر بصلواتنا "الموتى المؤمنين". والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا نصلي للراقدين الذين انتقلوا من هذا العالم؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من الاطلاع على تعاليم وإيمان الكنيسة. هناك "الكنيسة المجاهدة" وتمثل البشرية الحية المؤمنة والتي ما تزال تكافح يوميا في النفس والجسد وفي مختلف قارّات الأرض لعمل مشيئة الله. وهناك "الكنيسة المنتصرة" وتمثل الأنفس التي رقدت بسلام الرب, والمحررين من كل عداء وانقسام, يتنعمون إلى الأبد في السماء باتحادهم مع يسوع المسيح وحبه ونعمه, ويشاهدون المجد الأبدي لله وأبنائه المخلصين. وهناك أيضا "الكنيسة المتألمة" التي توفي أبناؤها وهم في حالة النعمة, ولكن قبل أن يكفـّروا عن كامل ذنوبهم التي اقترفوها على الأرض. هؤلاء الأنفس التي تتألم في "المطهر" لتتطهر مما كان عالقا بها من أوساخ الخطيئة عند انتقالها من هذا العالم, لتصبح نقية بلا شائبة, كي تتمكن من الإنتقال للأمجاد السماوية, والإتحاد مع خالقها.
إن الروابط الوثيقة التي تجمعنا مع القديسين في السماء من جهة, ومع الأنفس المطهرية المعذبة من جهة أخرى, تفرض علينا واجبين: مع المختارين, الذين نفرح بدخولهم إلى نعيم الآخرة ونتضرع إليهم لكي يحمونا ويساعدونا على العيش حياة مسيحية حقيقية من جهة, ومع الأنفس المطهرية من جهة أخرى, لنعطيهم الراحة بصلواتنا وتقشفاتنا وخاصة بالذبيحة الإلهية. يحبّ القديسون عمل الرحمة هذا. فبكمال حبهم, يفرحون للراقدين المؤمنين الذين ينتقلون من عذابات المطهر التي استحقوها من جرّاء سيرة حياتهم الأرضية ليشاركوا أبناء الله في الحياة السماوية الخالدة.
ندى الور- مساعد المشرف العام
- عدد المساهمات : 2691
نقاط : 7825
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
العمر : 47
مواضيع مماثلة
» عظة أحد الموتى المؤمنين.
» صلاة أحد الموتى المؤمنين.
» صلاة أحد الموتى المؤمنين.
» تذكار جميع الموتى المؤمنين / 2 تشرين الثاني.
» تذكار جميع الموتى المؤمنين / 2 تشرين الثاني.
» صلاة أحد الموتى المؤمنين.
» صلاة أحد الموتى المؤمنين.
» تذكار جميع الموتى المؤمنين / 2 تشرين الثاني.
» تذكار جميع الموتى المؤمنين / 2 تشرين الثاني.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى