تأملات شهر آذار مع القديس يوسف - 9 - القديس يوسف مثال الصلاة.

تأملات شهر آذار مع القديس يوسف - 9 - القديس يوسف مثال الصلاة.

يجب أن تكون حياة المسيحي قبل كل شيء حياة صلاة, إذ لا يمكن اتحاد القلب مع الله إلا بالمثابرة على الصلاة. ولا يستطيع المسيحي التخلص من السقطات والتجارب المحدقة به من كل جهة بغير توجيه أفكاره نحو العليّ الذي يُنعشه ويُشدّد عزائمه. فالصلاة الحقيقية تُنقّي النفس من جميع الشوائب العالقة بها وتجعلها طليقة الجناح تطير بأفكارها نحو خالقها وتنال من لدنه النعم الضرورية للحياة المسيحيّة.

أجل, لم يُعطَ لكل واحد تسلّق أعلى قمم التأمل ومخاطبة الرب, بيد أنه من الجهة الثانية لم يحظر على احد إرسال تنهّداته الحارة من أعمق الأودية بصلوات بسيطة, لفظيّة, تستعطف أحشاء الباري عليه, كما يستعطف الطفل الصغير, الذي لا يكاد يلفظ بعض الكلمات, أحشاء سامعيه.

والقدّيس يوسف هو مثال سامٍ لجميع المسيحيين في حياة الصلاة. فإنّ هذا الشيخ الجليل أبرز شَرفاً عظيماً بمعاشرة يسوع ابن الله, مدة طويلة من حياته, وقد تنعّم بتأمله الحار الدائم باطنياً, كما قد صلّى كثيراً, لأن الصلاة هي مخاطبة الله. فكيف يمكننا, والحالة هذه, أن نقول ان القدّيس يوسف لم يُصلِّ وحديثه مع الطفل الإلهي كان متواصلاً؟ فكم خاطبه سِرّاً في بيته على انفراد؟ وكم حادثة خلال الشغل والعمل؟ وكم وضع على جبينه المقدّس من القبلات الأبويّة ؟

حقاً إنّ قلب القدّيس يوسف كان أقرب القلوب وأشدّها تعلّقاً بقلب الطفل الإلهي بعد قلب مريم. فيا أيّها القدّيس يوسف, إنّ الصلاة هي السرّ العميق والكنز الثمين المخفي الذي يجهله أهل العالم, لأنهم لا ينظرون إلا إلى الظاهر والأمور الزائلة غير المفيدة, حتى أنّ الكثيرين من المسيحيين الذين استناروا بنور الإيمان لا يعتبرون, كما ينبغي, هذه الحياة الباطنية, الروحيّة, الفائقة الطبيعة, التي تصييّر الإنسان إنساناً حقيقيّاً. فأفِضْ من روحِكَ, أيها القدّيس العظيم, على قلوبنا, واضرم فيها نار الشوق إلى الصلاة الإلهيّة وأهّلنا جميعاً لأن نقتدي بغيرتك الحرة على مجد الله وخير نفوسنا.