تذكار القدّيسين الأطفال الذين قتلهم هيرودس في بيت لحم / 29 كانون الأول.
صفحة 1 من اصل 1
تذكار القدّيسين الأطفال الذين قتلهم هيرودس في بيت لحم / 29 كانون الأول.
تذكار القدّيسين الأطفال الذين قتلهم هيرودس في بيت لحم / 29 كانون الأول.
في التاسع والعشرين من شهر كانون الأوّل تحتفل الكنيسة بتذكار “الأطفال الأربعة عشر ألفًا الذين قتلهم هيرودس”. وكان هيرودس قد أعماه الغضب بعدما علم من المجوس بميلاد “ملك اليهود”، المسيح المنتظَر، فأمر بقتل كلّ صبيان بيت لحم وتخومها من ابن سنتين وما دون. أمّا المسيح، المستهدَف الوحيد من هذه المذبحة، فقد كان يوسف ومريم قد هربا به إلى مصر، ولم يعودا به إلى أرض فلسطين إلاّ بعد أن بشّرهم الملاك بموت هيرودس “طالب نفس الصبيّ”.
يورد الإنجيليّ متّى في سياق روايته لميلاد الربّ يسوع العديد من نبوءات العهد القديم، لأنّه رأى في الأحداث المتتالية للميلاد تحقّقًا لهذه النبوءات المختصّة بمجيء المسيح. وهذه الحادثة لا تخلو أيضًا من نبوءة قالها إرميا النبيّ: “صوتٌ سُمع في الرامة، نوحٌ وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها وقد أبت أن تتعزّى لأنّهم ليسوا بموجودين”. فالرامة هي مدينة شاول الذي كان من سبط بنيامين ابن راحيل، ودُفن في قرب بيت لحم، حيث تمّت هذه المذابح. وبما أنّ الأطفال قُتلوا في بيت لحم، حيث كان قبر راحيل، في تبكي على أولادها، اي عل الذين تحدّروا من نسلها.
أمّا عن هروب يوسف ومريم بالطفل يسوع فيقول بطرس خريسولوغوس (+450)، أسقف رافينا في إيطاليا: “لم يهرب المسيح عن خوف، بل لإتمام سرّ النبوّة. هرب المسيح لكي يثبّت حقيقة الشريعة، والإيمان بالنبوّة. هرب المسيح من أجلنا، لا من أجل نفسه. هرب لكي يقوم في الوقت المناسب بخدمة الأسرار الإلهيّة. هرب ليمنحنا الغفران بطرد مصدر المساوئ الآتية وليعطي برهان الإيمان لكّ الذين سيؤمنون”. هروب المسيح كان ضروريًّا كي تتمّ رسالته التي من أجلها جاء إلى العالم، أي الصليب والقيامة من بين الأموات، وتاليًا منح العالم الحياة الأبديّة.
وهـذا ما يـؤكّده بطرس خريسولوغوس نفسه حين يقول: “وعد المسيح أنّه سيأتي متجسّدًا فيمرّ بمراحل الحياة، ويعلن مجد ملكوت السموات، مبشّرًا بتعليم الإيمان وبأنّه، بقدرة كلمته وحدها، سيطرد الشياطين. وعد بأنّه سيعطي العميان بصرًا، والعرج المشي، والخرس الكلام، والصمّ السمع، والخطأة الغفران، والأموات الحياة. وعد بكلّ هذه الأمور عبر الشريعة والأنبياء. هكذا لـمّا صار المسيح رجلاً لم يهرب من الموت الذي هرب منه وهو طفل”. كان ينبغي أن يهرب المسيح إلى مصر كي لا يقضي هيرودس على التدبير الإلهيّ لخلاص العالم الذي أعدّه منذ البدء.
أمّا الأطفال الأبرياء الذين استشهدوا في المذبحة، فقد أصبحوا شهداء المسيح الأوائل، إذ قُتلوا في سبيل المسيح ونالوا مجد الشهداء. ويقول أحد المفسّرين: “كان أولئك الأطفال المقدَّسون أكثر ديمومةً من غيرهم. فكانوا الأوائل الذين استحقّوا أن يموتوا في سبيل المسيح”. أمّا خريسولوغوس فيتساءل: “لماذا تخلّى المسيح عن أولئك الأطفال الذين عرف أنّ هيرودس كان يكيد لهم بسببه، وعرف أنّهم سيُقتلون في سبيله؟” وسرعان ما يجيب على هذا السؤال، الذي يطرحه الكثيرون إلى يومنا الحاضر، قائلاً: “كانت مشيئة المسيح أن يعبروا من الرذيلة إلى الفضيلة، وأن يصلوا إلى السماء قبل أن يصلوا إلى الأرض، وأن يشاركوا في الحياة الإلهيّة مباشرة”.
ويدعو القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، في تعليقه على هذه الحادثة، إلى البحث عن الحكمة الإلهيّة الكامنة وراءهان فيقول: “ينبغي لنا ألاّ نميل إلى التهاون في محبّتنا للحكمة. ومنه نتوقّع منذ البدء التجارب والمكائد. انظرْ إذا ما حدث عندما كان في الأقمطة. طاغيةٌ مغتاظ يخطّط لاغتياله فيهرب إلى ما وراء الحدود. فلا تضطربْ لدى سماعك هذه الأمور. فقد يحدث وأنت تفكّر في أنّك جدير بخدمة أيّة مسألة روحيّة، أن تعاني من مرض عضال وتحتمل مخاطر لا حصر لها، لا تقل: كيف يكون لي ذلك؟ لا تتوقّعْ أن تتوَّج وتمجَّد وأن تكون متألّقًا ولامعًا لتُتمّ وصيّة الربّ”.
مـرّت ألفـا سنـة عـلى مذبحة بيت لحم، ومات هيرودس قاتل الأطفال. غير أنّ قتلة الأطفال (الهيرودسات) ما زالوا يتناسلون جيلاً بعد جيل. فـالأطفـال يـشكّلون غالبيّة ضحايا الحروب على أصنافها، وهم غالبية ضحايا المجاعات والأوبئة والأمراض المستعصيّة كالسيدا. وهم غالبية ضحايا الشركات الكبرى المحتكرة للدواء والتي تمنعها عنهم. وهم بسبب فقرهم وعوزهم ضحايا خروجهم إلى سوق العمل، وفي بعض البلدان إلى سوق الدعارة، في سنّ مبكرة. هذا يدفعنا إلى القول بأنّ هيرودس ليس حالةً فرديّة انقضت، بل هو حالة تتحدّى كلّ مؤمن في كلّ جيل من الأجيال. فمتى سيُقضى نهائيًّا على هيرودس؟
القضاء على هيرودس لن يتمّ بسوى الاقتداء بالربّ يسوع، بأقواله وتعاليمه وسلوكه مع الفقراء والمعذَّبين في الأرض. لن يُقضى على هيرودس إلاّ باعتناق القيم الحقيقيّة لميلاد المسيح، قيم المحبّة والتواضع والوداعة والسلام والزهد. لن يقضى على هيرودس إلاّ إذا حملنا صليب المسيح الحقيقيّ، صليب التضحية والبذل والعطاء المجّانيّ. متى سيبشّرنا الملاك، كما بشّر يوسف، بأنّ هيرودس قد مات؟
في التاسع والعشرين من شهر كانون الأوّل تحتفل الكنيسة بتذكار “الأطفال الأربعة عشر ألفًا الذين قتلهم هيرودس”. وكان هيرودس قد أعماه الغضب بعدما علم من المجوس بميلاد “ملك اليهود”، المسيح المنتظَر، فأمر بقتل كلّ صبيان بيت لحم وتخومها من ابن سنتين وما دون. أمّا المسيح، المستهدَف الوحيد من هذه المذبحة، فقد كان يوسف ومريم قد هربا به إلى مصر، ولم يعودا به إلى أرض فلسطين إلاّ بعد أن بشّرهم الملاك بموت هيرودس “طالب نفس الصبيّ”.
يورد الإنجيليّ متّى في سياق روايته لميلاد الربّ يسوع العديد من نبوءات العهد القديم، لأنّه رأى في الأحداث المتتالية للميلاد تحقّقًا لهذه النبوءات المختصّة بمجيء المسيح. وهذه الحادثة لا تخلو أيضًا من نبوءة قالها إرميا النبيّ: “صوتٌ سُمع في الرامة، نوحٌ وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها وقد أبت أن تتعزّى لأنّهم ليسوا بموجودين”. فالرامة هي مدينة شاول الذي كان من سبط بنيامين ابن راحيل، ودُفن في قرب بيت لحم، حيث تمّت هذه المذابح. وبما أنّ الأطفال قُتلوا في بيت لحم، حيث كان قبر راحيل، في تبكي على أولادها، اي عل الذين تحدّروا من نسلها.
أمّا عن هروب يوسف ومريم بالطفل يسوع فيقول بطرس خريسولوغوس (+450)، أسقف رافينا في إيطاليا: “لم يهرب المسيح عن خوف، بل لإتمام سرّ النبوّة. هرب المسيح لكي يثبّت حقيقة الشريعة، والإيمان بالنبوّة. هرب المسيح من أجلنا، لا من أجل نفسه. هرب لكي يقوم في الوقت المناسب بخدمة الأسرار الإلهيّة. هرب ليمنحنا الغفران بطرد مصدر المساوئ الآتية وليعطي برهان الإيمان لكّ الذين سيؤمنون”. هروب المسيح كان ضروريًّا كي تتمّ رسالته التي من أجلها جاء إلى العالم، أي الصليب والقيامة من بين الأموات، وتاليًا منح العالم الحياة الأبديّة.
وهـذا ما يـؤكّده بطرس خريسولوغوس نفسه حين يقول: “وعد المسيح أنّه سيأتي متجسّدًا فيمرّ بمراحل الحياة، ويعلن مجد ملكوت السموات، مبشّرًا بتعليم الإيمان وبأنّه، بقدرة كلمته وحدها، سيطرد الشياطين. وعد بأنّه سيعطي العميان بصرًا، والعرج المشي، والخرس الكلام، والصمّ السمع، والخطأة الغفران، والأموات الحياة. وعد بكلّ هذه الأمور عبر الشريعة والأنبياء. هكذا لـمّا صار المسيح رجلاً لم يهرب من الموت الذي هرب منه وهو طفل”. كان ينبغي أن يهرب المسيح إلى مصر كي لا يقضي هيرودس على التدبير الإلهيّ لخلاص العالم الذي أعدّه منذ البدء.
أمّا الأطفال الأبرياء الذين استشهدوا في المذبحة، فقد أصبحوا شهداء المسيح الأوائل، إذ قُتلوا في سبيل المسيح ونالوا مجد الشهداء. ويقول أحد المفسّرين: “كان أولئك الأطفال المقدَّسون أكثر ديمومةً من غيرهم. فكانوا الأوائل الذين استحقّوا أن يموتوا في سبيل المسيح”. أمّا خريسولوغوس فيتساءل: “لماذا تخلّى المسيح عن أولئك الأطفال الذين عرف أنّ هيرودس كان يكيد لهم بسببه، وعرف أنّهم سيُقتلون في سبيله؟” وسرعان ما يجيب على هذا السؤال، الذي يطرحه الكثيرون إلى يومنا الحاضر، قائلاً: “كانت مشيئة المسيح أن يعبروا من الرذيلة إلى الفضيلة، وأن يصلوا إلى السماء قبل أن يصلوا إلى الأرض، وأن يشاركوا في الحياة الإلهيّة مباشرة”.
ويدعو القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، في تعليقه على هذه الحادثة، إلى البحث عن الحكمة الإلهيّة الكامنة وراءهان فيقول: “ينبغي لنا ألاّ نميل إلى التهاون في محبّتنا للحكمة. ومنه نتوقّع منذ البدء التجارب والمكائد. انظرْ إذا ما حدث عندما كان في الأقمطة. طاغيةٌ مغتاظ يخطّط لاغتياله فيهرب إلى ما وراء الحدود. فلا تضطربْ لدى سماعك هذه الأمور. فقد يحدث وأنت تفكّر في أنّك جدير بخدمة أيّة مسألة روحيّة، أن تعاني من مرض عضال وتحتمل مخاطر لا حصر لها، لا تقل: كيف يكون لي ذلك؟ لا تتوقّعْ أن تتوَّج وتمجَّد وأن تكون متألّقًا ولامعًا لتُتمّ وصيّة الربّ”.
مـرّت ألفـا سنـة عـلى مذبحة بيت لحم، ومات هيرودس قاتل الأطفال. غير أنّ قتلة الأطفال (الهيرودسات) ما زالوا يتناسلون جيلاً بعد جيل. فـالأطفـال يـشكّلون غالبيّة ضحايا الحروب على أصنافها، وهم غالبية ضحايا المجاعات والأوبئة والأمراض المستعصيّة كالسيدا. وهم غالبية ضحايا الشركات الكبرى المحتكرة للدواء والتي تمنعها عنهم. وهم بسبب فقرهم وعوزهم ضحايا خروجهم إلى سوق العمل، وفي بعض البلدان إلى سوق الدعارة، في سنّ مبكرة. هذا يدفعنا إلى القول بأنّ هيرودس ليس حالةً فرديّة انقضت، بل هو حالة تتحدّى كلّ مؤمن في كلّ جيل من الأجيال. فمتى سيُقضى نهائيًّا على هيرودس؟
القضاء على هيرودس لن يتمّ بسوى الاقتداء بالربّ يسوع، بأقواله وتعاليمه وسلوكه مع الفقراء والمعذَّبين في الأرض. لن يُقضى على هيرودس إلاّ باعتناق القيم الحقيقيّة لميلاد المسيح، قيم المحبّة والتواضع والوداعة والسلام والزهد. لن يقضى على هيرودس إلاّ إذا حملنا صليب المسيح الحقيقيّ، صليب التضحية والبذل والعطاء المجّانيّ. متى سيبشّرنا الملاك، كما بشّر يوسف، بأنّ هيرودس قد مات؟
ندى الور- مساعد المشرف العام
- عدد المساهمات : 2691
نقاط : 7825
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
العمر : 47
مواضيع مماثلة
» تذكار القدّيسين الأطفال الذين قتلهم هيرودس في بيت لحم / 29 كانون الأول.
» تذكار القدّيسين الشهداء الذين أحرقوا في نيقوميذيا / 28 كانون الأول
» تذكار قتل أطفال بيت لحم بأمر هيرودس الملك / 29 كانون الأول.
» تذكار القديس نيقولاوس العجائبي - شفيع الأطفال / 6 كانون الأول.
» تذكار الفتية الثلاثة القدّيسين حننيا وعزريا وميشائيل / 17 كانون الأول.
» تذكار القدّيسين الشهداء الذين أحرقوا في نيقوميذيا / 28 كانون الأول
» تذكار قتل أطفال بيت لحم بأمر هيرودس الملك / 29 كانون الأول.
» تذكار القديس نيقولاوس العجائبي - شفيع الأطفال / 6 كانون الأول.
» تذكار الفتية الثلاثة القدّيسين حننيا وعزريا وميشائيل / 17 كانون الأول.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى