عظة الأحد الخامس بعد القيامة.

عظة الأحد الخامس بعد القيامة.

إصحاح المحبّة
إنجيل الأحد:
قالَ يوحنا الرسول: وبَعْدَ الغَداء، قالَ يَسوعُ لِسْمْعانَ بُطْرُس: "يا سِمْعانُ بْنَ يونا، أتُحِبُّني أكْثَرَ مِما يُحِبُّني هَؤلاءِ؟". قالَ لَهُ: "نَعَم، يا رَبّ، أنْتَ تَعْلَمُ أنِّي أحِبُّك". قالَ يَسوع: "إرْعَ حُمْلاني". قالَ لَهُ مَرَّةً ثانِيَةً: "يا سِمْعانُ بْنَ يونا، أتُحِبُّني؟". قالَ لَهُ: نَعَمْ يا رَبّ، أنْتَ تَعْلَمُ أنِّي أحِبُّك". قالَ لَهُ يَسوع: "إرْعَ نِعاجي!". قالَ لَهُ مَرَّةً ثالِثَة: "يا سِمْعانُ بْنَ يونا، أتُحِبُّني؟". فَحَزِنَ بُطْرُس، لأنَّ يَسوعَ قالَ لَهُ ثَلاثَ مرَّات: أتُحِبُّني؟ فَقالَ لَهُ: "يا رَبّ، أنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيء، وأنْتَ تَعْرِفُ أنِّي أحِبُّك". قالَ لَهُ يَسوع: "إرْعَ خِرافي! ألحَقَّ الحَقَّ أقولُ لَكَ: حينَ كُنْتَ شابَّاً، كُنْتَ تَشُدُّ حِزامَكَ بِيَديْكَ وتَسيرُ إلى حَيْثُ تُريد. ولَكِنْ حينَ تَشيخ، سَتَبْسُطُ يَديْكَ وآخَرُ يَشُدُّ لَكَ حِزامَكَ، ويَذْهَبُ بِكَ إلى حَيْثُ لا تُريد". قالَ يَسوعُ ذلِكَ مُشيراً إلى الميتَةِ الَّتي سَيُمَجِّدُ بِها بُطْرُسُ الله. ثُمَّ قالَ لَهُ: "إتْبَعْني!".

تفسير الإنجيل:
في إنجيل هذا الأحد يدعو المسيح تلميذه بطرس إلى "رعي الخراف", ولكن ليس قبل أن يسأله ثلاث مرّات عن حبه له, ويعطي بطرس فرصة للتعبير والتأكيد لمعلمه عن مدى محبته, بعد انكساره أمام الله وتمرغه بظلمة إنكار سيده نتيجة الخوف من المستقبل, وقلة الإيمان, والتطلع إلى الدنيويات قبل السماويات. فمن غـُفِرت له خطاياه الكثيرة أحبّ كثيرا. ومن ذاق مرّ عذاب الضمير ومغفرة يسوع وحبه له, يعامل شعبه بمحبة واسعة وتضحية أكبر, ويصبح أهلا ليكون خليفته على الأرض, ليكرز للمؤمنين ويقوّي الضعفاء, ويدير سفينة الكنيسة وسط العواصف الهوجاء إلى بر الأمان.

"قم وتشجع! سأجعلك منذ الآن صياد بشر!" لبّى بطرس نداء ربه, وترك السفينة الممتلئة سمكا كبيرا بعد ليلة عقيمة لم يصطادوا بها شيئا لآن "الغنم تبدد بعد الصلب وذهب كل بطريقه, معتمدين على أنفسهم لا على الله". بغياب المسيح عن حياتهم, أصبحت أعمالهم عقيمة, وسفنهم فارغة, وعندما رؤأ المسيح ثانية تفتـّحت قلوبهم وآمنوا بالقيامة ومُنحوا قوة لاستكمال مسيرتهم التي دُعيوا إليها. فتركوا كل شيء وتبعوا يسوع المسيح, ابن الله الحي.

نسميّ إنجيل هذا اليوم "بإصحاح المحبة" لأنه يدل على مدى رغبة يسوع لاجتذابه إلينا بعد أن حمل ذلاتنا على صليب العار, وبموته وقيامته صالحنا مع الآب السماوي وفتح لنا أبواب السماوات. ونستذكر هنا كلام بولس الرسول: "لو تكلمت بلغات الناس والملائكة, ولا محبة عندي, فما أنا إلا نحاس يطنّ أو صنج يرنّ. ولو وهبني الله النبوّة وكنت عارفا كل سرّ وكل علم, ولي الإيمان الكامل أنقل به الجبال, ولا محبة عندي, فما أنا بشيء... المحبة تصبر وترفق, المحبة لا تعرف الحسد ولا التفاخر ولا الكبرياء" (رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ١٣ : ١ - ٤).

ثم يعود الرب ويعطي نعمة أخرى لعبده بطرس عندما يصرِّح له أنه مزمعا أن يموت شهيدا. لا يُخفى أن التألم لأجل المسيح موهبة خصوصية منه. حصلت لبطرس وقت تجربته فرصة مناسبة أن يموت لأجل الرب, ولكنه أراد أن يخلـِّص نفسه من الموت بإنكاره إياه. لكن الرب, من وفرة نعمته, سيفتح له فرصة ثانية ويخبره بأنه مزمع أن يمجد الله بموته شهيدا. أما قوله: "لمّا كنت أصغر سنا كنت تـُمنطق ذاتك وتمشي حيثما تشاء" تشير إلى تصرفاته حين كان يفعل بحسب قوته وإرادته. وعندما أتم الرب قوله: "فمتا شِختَ فإنك تمدّ يديك وآخر يمنطقك ويقودك إلى حيث لا تشاء" تشير إلى نعمة الإستشهاد. فكان على بطرس أن يرعى قطيع سيده ثم يموت شهيدا لإيمانه. جاء المسيح ليَخدُم وليس ليُخدَم, فما من عبد أفضل من سيده. ولنتذكر أيضا أننا مدعوون لتكريس حياتنا لخدمة الرب, لينقلب ليلنا نهارا وحزننا فرحا وموتنا قيامة مجيدة مع المسيح.