شروحات حول القدّاس الالهي /ج 1

شروحات حول القدّاس الالهي /ج 1

(( شرح القدّاس الإلهي ))

1ـ القداس الإلهي في سطور :
عبر العصور يحتل القدّاس الإلهي المركز الأبرز في حياة الجماعة المسيحية، إذ في كل مرّة تقيم الكنيسة القداس الإلهي تدعو المؤمن إلى إشرك الله في حياته، فكما يتحوّل الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح ، كذلك القداس الإلهي يدعو الإنسان البشري العادي إلى أن يتحول إلى ما هو على مثال الابن الوحيد ،إذ تعده بشكل دائم إلى ولادة الإنسان الجديد وترك الإنسان القديم.وهذه الولادة التي هي من الماء والروح التي تُحي فيه نعمة المعموديّة وحياة التكرّس لله " من لم يولد من الماء والروح لا يدخل ملكوت السماوات "يوحنا 3 :5 .وكأن حضوري واشتراكي في القداس هو تذوق مسبق لملكوت الله. إلى جانب أنّ الاشتراك الحقيقي في الذبيحة الإلهيّة يضفي في الليتورجية البيزنطية مسحة القيامة على حياة الإنسان وخصوصاً الإنسان الذي يعيش الموت والتغرّب والقلق. لذلك نعتبر القداس الإلهي هو المكان الأسراري الذي يتعلّم منه المؤمن أن يعيش كل مراحل التدبير الخلاصي، يسمّي القدّيس غريغوريوس النزينزي. القدّاس الإلهي "ذبيحة القيامة" وكما ويسمّيه نيقولا كباسيلاس " أيقونة التدبير الخلاصي " لذلك وكما هو مقسّم القدّاس الإلهي إلى خدمات ثلاث: خدمة الكلمة . والأنافورة. وخدمة المناولة. يقابل ذلك في حياة الكنيسة عبر الليتورجيا الظهور الإلهي والفصح والتأليه. ولذلك الكنيسة تدعو المؤمن لعيش هذه الحقائق

2ـ الليتورجيا عمل جماعي مقدّس:
اجتماع المؤمنين في الليتورجيا هو مظهر من مظاهر الكنيسة الجاثية أمام الله والضارعة إليه.، والشاكرة له مع المسيح ، ففي كل لقاء ليتورجي للجماعة يحضر المسيح، وبحضوره الإلهي يوحّد المؤمنين ويقدّس عملهم ويجعلهم يشعرون بأنّهم أبناء كنيسة واحدة وأخوة في أسرة واحدة وأعضاء في جسد واحد. وكثيراً ما نسمع من الناس " نحن نصلي في بيتنا " لأن الإنجيل يقول: " أدخل إلى مخدعك " وتنتهي القصة بأن أعترض على الصلاة الجماعية فقط دون أن أدخل في سر هذه المغامرة ، وتكون النتيجة بأن لاأصلي حتى في مخدعي وأخرج بذلك مستنكراً من الصلاة دون المغامرة في الدخول بهذا المشروع الخلاصي ، إن كان لي أو للجماعة .

3ـ ألفاظ ومعاني :
1ـ ليتورجيا: وهي اسم يوناني مركّب من كلمتين: ليئتون "عام" وأرغون "عمل" وهي تعني العبادة العامة الرسمية التي تؤدّيها الكنيسة لله. أمّا حصراً فهي القدّاس الإلهي.
2ـ إفخارستيّا: وهي كلمة يونانية مركبة من كلمتين "أف" وهي ظرف يأتي بمعنى الجودة والنوعية والكمال و "خاريس" ومعناها العطيّة المجّانيّة، ومجموعها معناه "الشكر" تبنّتها المسيحية للدلالة إلى سر الشكر أو سر القربان المقدّس، ودخلت جميع اللغات للدلالة إلى الذبيحة الإلهية، ذلك لكون القداس يحتوي على تقدمة القربان شكراً لله.
3 ـ آمين: كلمة عبرية، وهي صفة تعني "الثابت" ، "الحق" ، "الجدير بالثقة". ثمّ تطورت إلى ظرف بمعنى "ليكن كذلك" و "التثبّت في الحق" وهذا لامعنى الأخير تطوّر ليصبح محصور في الموافقة العلنية على الإعلان الرسمي للحقائق الإلهية. وتكون الآمين في الليتورجيا بمثابة الموافقة والقبول والالتزام، وهذا ما يعلنه الشعب كموافقة على الإعلان الذي يتلوه المتقدّم في الصلوات.
4 ـ أنديفونة: كلمة يونانية مركّبة من "أندي" و "فوني" وتعني الردة أو اللازمة وهي في الاستعمال الليتورجي لازمة قصيرة ن المزامير أو نشيد قديم. في القديم كان يُتلى المزمور كاملاً أمّا اليوم فيكتفى بآيتين أو ثلاثة منه.
5ـ طروباريّة: اسم يوناني عام لكل أنواع الأناشيد الليتورجية ذات الوزن الشعري والموسيقي، وهي في أغلب الأحيان تطوّر للازمة المزموريّة.
6 ـ هللويا: نداء مؤلّف من كلمتين عبرانيتين: "هللو" وهي صيغة الأمر الجمع لفعل "هلل" و"يه" وهي مختصر لكلمة "يهوى"، اسم الله. ترجمتها "هللوا لله". وهي تُستعمل في مطلع ونهاية بعض المزامير خصوصاً المزامير 113-118 التي أطلق عليها عند العبرانيين اسم "الهلِّل". وفي كتاب الرؤيا (19: 1-6) تصبح مع كلمة "آمين" نشيد المختارين. والليتورجيا إذ تستعملها مراراً تنوّه إلى بهجة لقاء المؤمنين ـ وهم مختارو الله ـ مع الرّب في تعليمه وفي حبّه وفي حضوره.

ذيناميس: اسم يوناني معناه "قوة"، وهو نداء يوجهه الشمّاس الإنجيلي إلى الشعب قبل الترنيم بنشيد التريصاجيون لآخر مرّة، يدعوه به إلى مضاعفة الإيمان في الإنشاد وتأكيد الرجاء برحمة المخلّص.

أنديميسي (أنديميسيون): كلمة يونانيّة مركبة من "أندي" بدلاً من و"منسيون" مائدة أو طاولة، وتعني "عوض المائدة"، وهي قطعة من كتّان أو حرير، رُسم عليها تحنيط المسيح وخيط على ظهرها كيس صغير يحتوي على ذخائر للقدّيسين، أعضاء المسيح المقدّسة، الذين "قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي أدّوها" (رؤيا يوحنا 6: 9). لقد كانت أصلاً تُستعمل بدل المذبح، إبَّان الاضطهاد، الذي شنَّه محاربو الأيقونات ضدَّ الكنيسة. ثمّ انتشر استعمالها، فصارت توضع على كل الهياكل. أمّا تكريسها فيقوم به البطريرك داخل رتبة شبيهة برتبة تكريس المائدة المقدّسة.

4ـ رتبة التقدمة :
نذكر في رتبة التقدمة : يسوع المسيح _ مريم والدة الإله _ رئيس الملائكة ميخائيل وجبرائيل ـ يوحنا المعمدان ـ الرسل ـ رؤساء الكهنة والآباء ـ الشهداء ـ الرهبان والراهبات ـ القديسين العادمي الفضة " هؤلاء القديسون الذين كانوا يخدمون الفقراء والمحتاجين دون مقابل أي دون مال أو فضة " ـ يواكيم وحنة ـ يوحنا الذهبي الفم
أ ـ الأحياء
ب ـ الأموات
ج ـ الأيقف

ماذا تعني رتبة التقدمة:
ما معنى كل هذا ؟ إنّه يعني أن التقدمة لها سبب: الشكر لله والتضرع إليه. فنحن بتقدماتنا نُظهر شكرنا للمحسن إلينا على كل ما حصلنا عليه. هذا أولاً. ثانياً، نحن بتقدماتنا نتوقع الإحسان إلينا، وهذا هو التضرع. ففي التقدمة الأمران حاصلان: شكر مع تضرع. من هنا
"صلاة الباب" : هي فرصة تهيئة للدخول إلى الملكوت، وقفة استغفار أمام المذبح المقدّس وأبوابه. فالإنسان في صلاة الباب تنتابه عاطفتين:
1- عاطفة التوبة والاستغفار.
2- عاطفة الثقة بالله وأبوّته ورحمته.

فالكاهن يستلهم استغفاره من خلال صلاة الاستغفار. ثمّ يدخل الكاهن إلى أبواب الملوكيّة بشفاعة القديسين ووالدة الإله التي تفتح باب التحنّن، وهذا الفتح تمّ بقبول العذراء للسر الخلاصي، لذلك فالمسيح ولد من عذراء.