يوحنا الذهبي الفم / ج3
صفحة 1 من اصل 1
يوحنا الذهبي الفم / ج3
وكانت أنطاكية مدينة المدنية الإغريقية,ومركزا للثقافة العالية,وكان أهلها يتمتعون بالرخاء والغنى, وكان فيها الكثير من الأندية والمسارح والملاهي, فأخذ يوحنا ذهبي الفم يقاوم شرور عصره, ويعظ ويعلم ويرشد,منددا بالخلاعة والفجور, داعيا إلى حياة القداسة, والصدوف عن اللذات,العزوف عن الشهوات, فأقبل على مواعظه الدسمة الكثيرون من الشعب, وأحبوه وتعلقوا به, وجعل يشرح أسفار الكتاب المقدس مستخرجا منها المعاني الروحية بفصاحته المعهودة وبلاغته المأثورة. ومع ذلك كان الأغنياء يبغضونه لتبكيته لهم على قساوة قلوبهم.
وتقدم يوحنا ذهبي الفم, ونما في الفضيلة والمعرفة, ملتهبا غيرة وقداسة وروحانية, وزاده الكهنوت, ورفعه علما على رابية عالية في كل ما ينبغي أن يتحلى به الكاهن القديس من أمانة لسيده المسيح, واشتدت مواعظه حرارة وقوة, وازدادت نقاوة, فكان على قول القديس بولس الرسول: مقدما في التعليم نقاوة ووقارا وإخلاصا, وكلاما صحيحا غير ملوم (تيطس2:7).فأحبه الراغبون في الحق,ا لساعون في طريق السماء...وظل قسيسا يعظ ويعلم في أنطاكية لمدة اثنتي عشرة سنة.
وذاع اسمه, وعلا نجمه, وبلغ صيته مسامع الإمبراطور وبلاطه في القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية, بينما كان يوحنا لايزال قسيسا في أنطاكية, وتمناه أهل القسطنطينية أن يكون كاهنهم وراعيهم.
فلما رقد في الرب (نكتاريوس) بطريرك القسطنطينية (381-397) رأى الإمبراطور (أركاديوس) ARCADIOS (377-408), وكل الشعب معه اختيار ذهبي الفم خلفا للبطريرك الراحل.ولما كانوا يعلمون بزهد الرجل عن قبول مثل هذا المنصب العالي ,ورهبته من تحمل هذه المسئولية الثقيلة, فضلا عن تعلق الشعب الأنطاكي به,لجأوا إلى حيلة ماكرة: ذلك أن الإمبراطور أرسل إلي (إستيريوس) قائد جيوش الشرق رسلا, وطلب أن يأتوه بيوحنا, فذهب إليه قائد الجيوش, ولم يعلمه بالأمر, لكنه استدرجه لزيارة ضريح أحد الشهداء خارج أنطاكية, وهناك وجد الذهبي فمه رسل الإمبراطور الذين حملوه قهرا في المركبة الملكية إلى العاصمة,فلم يجد يوحنا مفرا من النزول على رغبة الإمبراطور والوزراء والإكليروس والشعب القسطنطيني ,في البقاء.
وفي يوم الأحد الموافق 26 السادس والعشرين من شهر فبراير لسنة 398, وضع الأنبا ثيئوفيلوس بابا الإسكندرية الثالث والعشرون يده الرسولية عليه,ومعه سائر أساقفة الكرسي القسطنطيني لسيامته بطريركا ورئيسا لأساقفة القسطنطينية.
ولم يهتز ذهبي الفم فرحا بهذه السيامة وهذا المنصب العالي, لأنه من ذلك الطراز الروحاني الذي يرهب المسئولية, ويخشي دينونة الله, ويتوجس خيفة من أن يظلم أحدا, أو يحابي وجه إنسان لغناه أو لمنصبه, أو أن يلين أمام الضغوط التي لابد أن يواجهها كبطريرك بصورة تتعارض مع واجباته الكهنوتية ومسئولياته الرعوية,وأمانته كخادم لله وحده.
***************************************************
ولقد خص ذهبي الفم الفقراء بعنايته الكبرى. ووجه أموال الأوقاف وجهتها الصحيحة... فانشئت بها الملاجئ والمياتم ودور الإيواء للفقراء والأيتام, ودار كانت تقيم فيها الأرامل والعذارى الراغبات في العفة مع الحياة الاشتراكية, وغير ذلك من المؤسسات الخيرية. واهتم البطريرك القديس بإرسال البعثات الرسولية إلى بلاد فينيقيا وسورية وإلى شعوب الغوط والمسكوب (روسيا...).
وعلى الرغم من مسئولياته الرعائية كان دائم السهر في قراءة الكتب المقدسة وتفسيرها, وكان يضع صورة القديس بولس الرسول أمامه, فقد كان معجبا به, وكان يقتديه وينهج على منواله...وله في تفسير الأناجيل ورسائل القديس بولس, كتب تشهد بعلمه وروحانيته وعمق دراساته...وهي الآن جزء من تراث الكنيسة الثمين الباقي ذخرا للأجيال. وقد شهد عنه القديس أوغسطينوس (354-430)م بأنه من أشهر معلمي المسكونة, وأن مجده يشع في كل أقطار الدنيا, وأن أنوار علمه تضيء جميع الأمصار...ولقد شبهه بعض الآباء بالشمس التي تنير المسكونة كلها, ولقبوه بالرجل الحكيم الذي شرح أقوال الله.
ولم يشغله كل ذلك عن الاهتمام بطقوس الكنيسة وترتيبات العبادة.وإليه يعزى ترتيب القداس كما تتبعه إلى اليوم جميع الكنائس البيزنطية في كل بلاد أوربا الشرقية, كاليونان والروس والبلغار والرومان وغيرهم من الروم الشرقيين والمعروفين بالملكانيين. وبسبب ذلك صار طقس القداس الذي تتبعه تلك الكنائس يعرف بقداس القديس يوحنا ذهبي الفم.
ومع حرصه الشديد على رعاية شعبه والاهتمام بكل أحد, وتلبية كل استغاثة من كل مظلوم.
وكان على ذهبي الفم, وهو البطريرك, أن يختار بين أمرين, أن يكون أبا وراعيا للشعب, ومحاميا عن اليتيم والأرملة والفقير,أ و يكون إلى جانب الملك والملكة, يتردد على القصر الإمبراطوري, وبهذا يكون محط تبجيل الوزراء والحاشية والجند وأغنياء الشعب,ثم تمتصه الشكليات والرسميات والحفلات, ويشغل وقته في شؤون المملكة, وقد يجد نفسه دون أن يشعر, مدافعا عن تصرفات الملك والمملكة, مهما كان بعدها عن الحق والعدل. وقد كان (أركاديوس) ملكا شريرا وضعيفا, وكانت زوجته (أفدكسيا) امرأة خبيثة ومسيطرة, وكان أركاديوس يتخاذل أمامها, فترك لها القيادة , وصارت هي الحاكمة بالفعل, وكانت إرادتها هي غالبا النافذة.
ولما كان الذهبي الفم رجل الله, وخادم المسيح بالحقيقة, وكان يفهم مهمته البطريركية جيدا, ولم ينحرف عن هذا الفهم متمثلا بسميه القديس يوحنا المعمدان الذي ظل طوال حياته أمينا لرسالته حريصا علة أن يقنع لنفسه بدور صديق العريس, ولم يطمع في أن يختار العروس لشخصه, لذلك كان علة ذهبي الفم أن يختار الاختيار الصعب:أن يكون كسيده المسيح إلة جانب الفقير واليتيم والمظلوم. وقد كلفه ذلك ثمنا باهظا.فكان عليه أن يقف ضد الملك والإمبراطورة الطاغية الظالمة المستبدة, وكل أجهزة المملكة وسطوتها وقدرتها الساحقة...
جاءت إليه أرملة فقيرة من أسرة أحد كتاب البلاط الإمبراطوري تشكو اعتداء الإمبراطورة (أفدوكسيا) على كرم يخصها وأن (أفدوكسيا) قد ضمته إلى أملاكها الخاصة.
وتقدم يوحنا ذهبي الفم, ونما في الفضيلة والمعرفة, ملتهبا غيرة وقداسة وروحانية, وزاده الكهنوت, ورفعه علما على رابية عالية في كل ما ينبغي أن يتحلى به الكاهن القديس من أمانة لسيده المسيح, واشتدت مواعظه حرارة وقوة, وازدادت نقاوة, فكان على قول القديس بولس الرسول: مقدما في التعليم نقاوة ووقارا وإخلاصا, وكلاما صحيحا غير ملوم (تيطس2:7).فأحبه الراغبون في الحق,ا لساعون في طريق السماء...وظل قسيسا يعظ ويعلم في أنطاكية لمدة اثنتي عشرة سنة.
وذاع اسمه, وعلا نجمه, وبلغ صيته مسامع الإمبراطور وبلاطه في القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية, بينما كان يوحنا لايزال قسيسا في أنطاكية, وتمناه أهل القسطنطينية أن يكون كاهنهم وراعيهم.
فلما رقد في الرب (نكتاريوس) بطريرك القسطنطينية (381-397) رأى الإمبراطور (أركاديوس) ARCADIOS (377-408), وكل الشعب معه اختيار ذهبي الفم خلفا للبطريرك الراحل.ولما كانوا يعلمون بزهد الرجل عن قبول مثل هذا المنصب العالي ,ورهبته من تحمل هذه المسئولية الثقيلة, فضلا عن تعلق الشعب الأنطاكي به,لجأوا إلى حيلة ماكرة: ذلك أن الإمبراطور أرسل إلي (إستيريوس) قائد جيوش الشرق رسلا, وطلب أن يأتوه بيوحنا, فذهب إليه قائد الجيوش, ولم يعلمه بالأمر, لكنه استدرجه لزيارة ضريح أحد الشهداء خارج أنطاكية, وهناك وجد الذهبي فمه رسل الإمبراطور الذين حملوه قهرا في المركبة الملكية إلى العاصمة,فلم يجد يوحنا مفرا من النزول على رغبة الإمبراطور والوزراء والإكليروس والشعب القسطنطيني ,في البقاء.
وفي يوم الأحد الموافق 26 السادس والعشرين من شهر فبراير لسنة 398, وضع الأنبا ثيئوفيلوس بابا الإسكندرية الثالث والعشرون يده الرسولية عليه,ومعه سائر أساقفة الكرسي القسطنطيني لسيامته بطريركا ورئيسا لأساقفة القسطنطينية.
ولم يهتز ذهبي الفم فرحا بهذه السيامة وهذا المنصب العالي, لأنه من ذلك الطراز الروحاني الذي يرهب المسئولية, ويخشي دينونة الله, ويتوجس خيفة من أن يظلم أحدا, أو يحابي وجه إنسان لغناه أو لمنصبه, أو أن يلين أمام الضغوط التي لابد أن يواجهها كبطريرك بصورة تتعارض مع واجباته الكهنوتية ومسئولياته الرعوية,وأمانته كخادم لله وحده.
***************************************************
ولقد خص ذهبي الفم الفقراء بعنايته الكبرى. ووجه أموال الأوقاف وجهتها الصحيحة... فانشئت بها الملاجئ والمياتم ودور الإيواء للفقراء والأيتام, ودار كانت تقيم فيها الأرامل والعذارى الراغبات في العفة مع الحياة الاشتراكية, وغير ذلك من المؤسسات الخيرية. واهتم البطريرك القديس بإرسال البعثات الرسولية إلى بلاد فينيقيا وسورية وإلى شعوب الغوط والمسكوب (روسيا...).
وعلى الرغم من مسئولياته الرعائية كان دائم السهر في قراءة الكتب المقدسة وتفسيرها, وكان يضع صورة القديس بولس الرسول أمامه, فقد كان معجبا به, وكان يقتديه وينهج على منواله...وله في تفسير الأناجيل ورسائل القديس بولس, كتب تشهد بعلمه وروحانيته وعمق دراساته...وهي الآن جزء من تراث الكنيسة الثمين الباقي ذخرا للأجيال. وقد شهد عنه القديس أوغسطينوس (354-430)م بأنه من أشهر معلمي المسكونة, وأن مجده يشع في كل أقطار الدنيا, وأن أنوار علمه تضيء جميع الأمصار...ولقد شبهه بعض الآباء بالشمس التي تنير المسكونة كلها, ولقبوه بالرجل الحكيم الذي شرح أقوال الله.
ولم يشغله كل ذلك عن الاهتمام بطقوس الكنيسة وترتيبات العبادة.وإليه يعزى ترتيب القداس كما تتبعه إلى اليوم جميع الكنائس البيزنطية في كل بلاد أوربا الشرقية, كاليونان والروس والبلغار والرومان وغيرهم من الروم الشرقيين والمعروفين بالملكانيين. وبسبب ذلك صار طقس القداس الذي تتبعه تلك الكنائس يعرف بقداس القديس يوحنا ذهبي الفم.
ومع حرصه الشديد على رعاية شعبه والاهتمام بكل أحد, وتلبية كل استغاثة من كل مظلوم.
وكان على ذهبي الفم, وهو البطريرك, أن يختار بين أمرين, أن يكون أبا وراعيا للشعب, ومحاميا عن اليتيم والأرملة والفقير,أ و يكون إلى جانب الملك والملكة, يتردد على القصر الإمبراطوري, وبهذا يكون محط تبجيل الوزراء والحاشية والجند وأغنياء الشعب,ثم تمتصه الشكليات والرسميات والحفلات, ويشغل وقته في شؤون المملكة, وقد يجد نفسه دون أن يشعر, مدافعا عن تصرفات الملك والمملكة, مهما كان بعدها عن الحق والعدل. وقد كان (أركاديوس) ملكا شريرا وضعيفا, وكانت زوجته (أفدكسيا) امرأة خبيثة ومسيطرة, وكان أركاديوس يتخاذل أمامها, فترك لها القيادة , وصارت هي الحاكمة بالفعل, وكانت إرادتها هي غالبا النافذة.
ولما كان الذهبي الفم رجل الله, وخادم المسيح بالحقيقة, وكان يفهم مهمته البطريركية جيدا, ولم ينحرف عن هذا الفهم متمثلا بسميه القديس يوحنا المعمدان الذي ظل طوال حياته أمينا لرسالته حريصا علة أن يقنع لنفسه بدور صديق العريس, ولم يطمع في أن يختار العروس لشخصه, لذلك كان علة ذهبي الفم أن يختار الاختيار الصعب:أن يكون كسيده المسيح إلة جانب الفقير واليتيم والمظلوم. وقد كلفه ذلك ثمنا باهظا.فكان عليه أن يقف ضد الملك والإمبراطورة الطاغية الظالمة المستبدة, وكل أجهزة المملكة وسطوتها وقدرتها الساحقة...
جاءت إليه أرملة فقيرة من أسرة أحد كتاب البلاط الإمبراطوري تشكو اعتداء الإمبراطورة (أفدوكسيا) على كرم يخصها وأن (أفدوكسيا) قد ضمته إلى أملاكها الخاصة.
alesabat- مشرف
- عدد المساهمات : 230
نقاط : 576
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
العمر : 47
مواضيع مماثلة
» يوحنا الذهبي الفم / ج1
» يوحنا الذهبي الفم / ج2
» يوحنا الذهبي الفم / ج4
» يوحنا الذهبي الفم / ج5
» يوحنا الذهبي الفم / ج6
» يوحنا الذهبي الفم / ج2
» يوحنا الذهبي الفم / ج4
» يوحنا الذهبي الفم / ج5
» يوحنا الذهبي الفم / ج6
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى