يوحنا الذهبي الفم / ج5
صفحة 1 من اصل 1
يوحنا الذهبي الفم / ج5
لقد كان يمكن للبطريرك القديس أن يمتنع عن تنفيذ الأمر بالنفي ,وأن يثير الشعب ضد الملك والملكة, ولكنه حرصا على حياة الشعب رأى أن يخضع للأمر.وهنا تبدو فضيلة جديدة من فضائل قديسنا, فإنه عنيد في الحق الإلهي لكنه لا يقاوم الظلم الواقع على شخصه. ولقد قال ذهبي الفم مرة: كما كان المسيح حملا وأسدا,هكذا ينبغي أن يكون كل مسيحي حملا وأسدا.عليك أن ترتب وداعتك وشجاعتك.فلا تكن كالأسد في حديثك عن نفسك, ولا كالحمل في الدفاع عن قضية صالحة...لقد كان كسيده أسدا مزمجرا حين دخل الهيكل وطرد كل الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل,وقلب مناضد الصيارفة ومقاعد بائعي الحمام, وقال لهم: مكتوب إن بيتي بيت الصلاة يدعي فجعلتموه أنتم وكر لصوص (متي21:13,12) ,(مرقس11:15-17) ,(لوقا19:46,45) .بينما أنه أسلم ذاته بإرادته للصلب ثم ضرب وأهين ومع ذلك لم يفتح فاه :ظلم, أما هو فتذلل (إشعياء53:7).
***************************************************
لقد تقبل ذهبي الفم الأمر بالنفي صاغرا, وقال:إلى أين سيذهبون بي؟ هل إلى مكان ليس فيه سيدي؟ لكني أعلم أن الأرض كلها وما عليها هي لسيدي الرب (الخروج9:29), (مزمور23:1), (.1كورنثوس10:26) إذن لا يخيفني النفي, ولا الموت لأن لي الحياة هي المسيح, والموت ربح لي (فيلبي1:21).
أما المجمع الذي أصدر الحكم عليه بالعزل ,فقد أحزنه جدا, لكنه عاد وتعزى إذ تذكر أن سيده من قبله حكم عليه مجمع السنهدريم اليهودي بالموت,وقبل ذلك أصدروا قرارا آخر بأنه إن اعترف أحد به أنه هو المسيح يقطع من شركتهم ويطرد من مجمعهم (يوحنا9:35,34,21).
فلما أشرق نور الصباح, وتبين الشعب أن رجل الله قد أقصي عنهم بعيدا,غضبوا وتجمهروا, وذهبوا إلى القصر الإمبراطوري, ونادوا بسقوط الملك والملكة,وأرادوا أن يفتكوا بهما.
فارتعبت (أفدوكسيا) ارتعابا شديدا, وهرعت إلى زوجها تصيح قائله:لقد هلكنا... أرجع يوحنا وإلا أفلتت المملكة من أيدينا.
وحدثت ظواهر طبيعية ساندت غضبة الشعب, إذ تلبدت السماء بالغيوم, وقصف الرعد قصفا شديدا, واهتزت الأرض بهزة عنيفة كادت أن تتقوض معها أركان المدينة... وفهم الناس جميعا بما فيهم الملك والملكة أن ما حدث كان علامة على الغضب الإلهي على سوء معاملة رجل الله القديس.
استيقظ في (أفدوكسيا) ضميرها, ورأت في كل ما حدث دلائل غضب السماء على ما صنعت, وعلى قول شكسبير الشاعر الإنجليزي:إن الخطيئة تجعل من يرتكبها جبانا, يزعجه حفيف أوراق الشجر...فنهضت لوقتها وكتبت بقلمها إلي قديس الله يوحنا تقول:
أتضرع إلى قداستك أن تؤمن أنني بريئة من كل ما جري لك. نعم إني بريئة من الأثم الذي أقترف ضدك, أن الله شاهد علي الدموع التي أذرفها والتي أقدمها قربانا لعزته الإلهية, أرجع إلينا, أنت الذي عمدت أولادي, فعد إليهم لتحفظ لهم الحياة والمملكة.
وعلم الشعب أن بطريركهم القديس سيعود إليهم, فذهبوا جماعات إلى شاطيء البحر ينتظرون عودته, فما أن أطلت عليهم هيبته حتى هللوا وصفقوا فرحا برجوعه إليهم.
ونزل يوحنا ذهبي الفم من السفينة,فركعت الجماهير أمامه, فباركها برسم علامة الصليب, وأخذوا يقبلون يديه وأهداب ثيابه وقدميه, ونظموا صفوفهم في موكب روحي يرتلون الألحان الشجية والترانيم الفرحية وهم يحملون الشموع والمشاعل حتى وصلوا به إلى كنيسة الرسل الكبرى بينما كانت الأجراس تدق دقات الفرح. فما أن دخل ذهبي الفم الكنيسة وسجد أمام العزة الإلهية في الهكيل,حتى صعد إلى المنبر وألقى من فوقه خطابا مؤثرا. ومن فرح الشعب بعودته أقبلوا إلى الكنيسة في اليوم التالي فخطب فيهم ثانية خطاب الراعي لرعيته. فالتهب الناس بمحبته وزاد تعلقهم به, وتوقيرهم لروحانيته وقداسة سيرته.
والتأم مجمع آخر من ستين أسقفا رد لذهبي الفم اعتباره, وثبته على كرسيه,وعاد السلام إلى الكنيسة في القسطنطينية.
غير أنه لم تلبث المتاعب في طريق القديس ذهبي الفم أن تجددت.ويبدو أن الدموع التي ذرفتها الملكة (أفدوكسيا) لم تكن دموع التوبة والندم, ولكنها كانت نتيجة لهلعها على حياتها وخوفها من أن يزول ملكها منها بسبب نفي البطريرك القديس.
فقد أقاموا للملكة (أفدوكسيا) في بعض ساحات القسطنطينية وميادينها, تماثيل لها, وأخذ عامة الشعب والسوقة يهللون لها ويرقصون أمام تلك التماثيل بصورة مخلة بالأدب والدين, رقصات وحركات فيها مجون وخلاعة, فانزعج لذلك البطريرك يوحنا, وأخذ يندد بتلك التصرفات الخليعة في مواعظه. ونقل المتحلقون والمداهنون إلى الملكة ما كان يقوله ذهبي الفم بما فهمت منه أن البطريرك يوحنا يحقرها ويشتمها ويحط من قدرها وهي ملكة البلاد, فاستشاطت غضبا لكرامتها, وسعت إلى الملك بحرارة ومرارة تطالب مرة أخرى بنفي يوحنا وإبعاده.فاستجاب الملك لرغبتها وأصدر القرار وكان ذلك في الصوم الكبير لسنة 404م. وعلى الرغم من أن الحبر الروماني البابا أبنوشنسيوس (أينوسنت) INNOCENT الأول (402-417) تدخل في الأمر ورجا الملك أن يعيد ذهبي الفم, فلم يقبل (أركاديوس) رجاءه, وكذلك رفض رجاء شقيقه الملك هونوريوس إمبراطور الدولة الرومانية الغربية, وأصر على تنفيذ القرار.
على أن الطبيعة لم تبد في هذه المرة غضبا...فلا الأمطار هطلت,ولا الرعد زمجر أو قصف, ولا زلزلة حدثت...فلماذا؟...هل كانت السماء راضية هذه المرة عن نفي تقي الله ذهبي الفم؟ أو لعل العناية الإلهية تخلت عنه؟
***************************************************
لقد تقبل ذهبي الفم الأمر بالنفي صاغرا, وقال:إلى أين سيذهبون بي؟ هل إلى مكان ليس فيه سيدي؟ لكني أعلم أن الأرض كلها وما عليها هي لسيدي الرب (الخروج9:29), (مزمور23:1), (.1كورنثوس10:26) إذن لا يخيفني النفي, ولا الموت لأن لي الحياة هي المسيح, والموت ربح لي (فيلبي1:21).
أما المجمع الذي أصدر الحكم عليه بالعزل ,فقد أحزنه جدا, لكنه عاد وتعزى إذ تذكر أن سيده من قبله حكم عليه مجمع السنهدريم اليهودي بالموت,وقبل ذلك أصدروا قرارا آخر بأنه إن اعترف أحد به أنه هو المسيح يقطع من شركتهم ويطرد من مجمعهم (يوحنا9:35,34,21).
فلما أشرق نور الصباح, وتبين الشعب أن رجل الله قد أقصي عنهم بعيدا,غضبوا وتجمهروا, وذهبوا إلى القصر الإمبراطوري, ونادوا بسقوط الملك والملكة,وأرادوا أن يفتكوا بهما.
فارتعبت (أفدوكسيا) ارتعابا شديدا, وهرعت إلى زوجها تصيح قائله:لقد هلكنا... أرجع يوحنا وإلا أفلتت المملكة من أيدينا.
وحدثت ظواهر طبيعية ساندت غضبة الشعب, إذ تلبدت السماء بالغيوم, وقصف الرعد قصفا شديدا, واهتزت الأرض بهزة عنيفة كادت أن تتقوض معها أركان المدينة... وفهم الناس جميعا بما فيهم الملك والملكة أن ما حدث كان علامة على الغضب الإلهي على سوء معاملة رجل الله القديس.
استيقظ في (أفدوكسيا) ضميرها, ورأت في كل ما حدث دلائل غضب السماء على ما صنعت, وعلى قول شكسبير الشاعر الإنجليزي:إن الخطيئة تجعل من يرتكبها جبانا, يزعجه حفيف أوراق الشجر...فنهضت لوقتها وكتبت بقلمها إلي قديس الله يوحنا تقول:
أتضرع إلى قداستك أن تؤمن أنني بريئة من كل ما جري لك. نعم إني بريئة من الأثم الذي أقترف ضدك, أن الله شاهد علي الدموع التي أذرفها والتي أقدمها قربانا لعزته الإلهية, أرجع إلينا, أنت الذي عمدت أولادي, فعد إليهم لتحفظ لهم الحياة والمملكة.
وعلم الشعب أن بطريركهم القديس سيعود إليهم, فذهبوا جماعات إلى شاطيء البحر ينتظرون عودته, فما أن أطلت عليهم هيبته حتى هللوا وصفقوا فرحا برجوعه إليهم.
ونزل يوحنا ذهبي الفم من السفينة,فركعت الجماهير أمامه, فباركها برسم علامة الصليب, وأخذوا يقبلون يديه وأهداب ثيابه وقدميه, ونظموا صفوفهم في موكب روحي يرتلون الألحان الشجية والترانيم الفرحية وهم يحملون الشموع والمشاعل حتى وصلوا به إلى كنيسة الرسل الكبرى بينما كانت الأجراس تدق دقات الفرح. فما أن دخل ذهبي الفم الكنيسة وسجد أمام العزة الإلهية في الهكيل,حتى صعد إلى المنبر وألقى من فوقه خطابا مؤثرا. ومن فرح الشعب بعودته أقبلوا إلى الكنيسة في اليوم التالي فخطب فيهم ثانية خطاب الراعي لرعيته. فالتهب الناس بمحبته وزاد تعلقهم به, وتوقيرهم لروحانيته وقداسة سيرته.
والتأم مجمع آخر من ستين أسقفا رد لذهبي الفم اعتباره, وثبته على كرسيه,وعاد السلام إلى الكنيسة في القسطنطينية.
غير أنه لم تلبث المتاعب في طريق القديس ذهبي الفم أن تجددت.ويبدو أن الدموع التي ذرفتها الملكة (أفدوكسيا) لم تكن دموع التوبة والندم, ولكنها كانت نتيجة لهلعها على حياتها وخوفها من أن يزول ملكها منها بسبب نفي البطريرك القديس.
فقد أقاموا للملكة (أفدوكسيا) في بعض ساحات القسطنطينية وميادينها, تماثيل لها, وأخذ عامة الشعب والسوقة يهللون لها ويرقصون أمام تلك التماثيل بصورة مخلة بالأدب والدين, رقصات وحركات فيها مجون وخلاعة, فانزعج لذلك البطريرك يوحنا, وأخذ يندد بتلك التصرفات الخليعة في مواعظه. ونقل المتحلقون والمداهنون إلى الملكة ما كان يقوله ذهبي الفم بما فهمت منه أن البطريرك يوحنا يحقرها ويشتمها ويحط من قدرها وهي ملكة البلاد, فاستشاطت غضبا لكرامتها, وسعت إلى الملك بحرارة ومرارة تطالب مرة أخرى بنفي يوحنا وإبعاده.فاستجاب الملك لرغبتها وأصدر القرار وكان ذلك في الصوم الكبير لسنة 404م. وعلى الرغم من أن الحبر الروماني البابا أبنوشنسيوس (أينوسنت) INNOCENT الأول (402-417) تدخل في الأمر ورجا الملك أن يعيد ذهبي الفم, فلم يقبل (أركاديوس) رجاءه, وكذلك رفض رجاء شقيقه الملك هونوريوس إمبراطور الدولة الرومانية الغربية, وأصر على تنفيذ القرار.
على أن الطبيعة لم تبد في هذه المرة غضبا...فلا الأمطار هطلت,ولا الرعد زمجر أو قصف, ولا زلزلة حدثت...فلماذا؟...هل كانت السماء راضية هذه المرة عن نفي تقي الله ذهبي الفم؟ أو لعل العناية الإلهية تخلت عنه؟
alesabat- مشرف
- عدد المساهمات : 230
نقاط : 576
تاريخ التسجيل : 02/05/2009
العمر : 47
مواضيع مماثلة
» يوحنا الذهبي الفم / ج1
» يوحنا الذهبي الفم / ج2
» يوحنا الذهبي الفم / ج3
» يوحنا الذهبي الفم / ج4
» يوحنا الذهبي الفم / ج6
» يوحنا الذهبي الفم / ج2
» يوحنا الذهبي الفم / ج3
» يوحنا الذهبي الفم / ج4
» يوحنا الذهبي الفم / ج6
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى