عظة الأحد الرابع لزمن العنصرة.

عظة الأحد الرابع لزمن العنصرة.

طوبى للعيون التي تنظر ما أنتم تنظرون

إنجيل الأحد:
قال لوقا البشير: في تلكَ السَّاعَةِ ابْتَهَجَ يَسوعُ بِالرُّوحِ القُدُس، فَقال: "أعْتَرِفُ لَكَ، يا أبَتِ، رَبَّ السَّماءِ والأرْض، لأنَّكَ أخْفَيْتَ هَذِهِ الأُمورَ عَنِ الحُكَماءِ والفُهَماء، وأظْهَرْتَها للأطفال. نَعَم، أيُّها الآب، لأنَّكَ هَكَذا ارْتَضَيْت. لَقَدْ سَلَّمَني أبي كُلَّ شيء، فَما مِنْ أحدٍ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الابْنُ إلاَّ الآب، ولا مَنْ هُوَ الآبُ إلاَّ الابْن، ومَنْ يُريدُ الابْنُ أنْ يُظْهِرَهُ لَهُ". ثُمَّ التَفَتَ إلى تَلاميذِهِ، وقالَ لَهُم عَلى انْفِراد: "طوبى لِلْعُيونِ الَّتي تَنْظُرُ ما أنْتُم تَنْظُرون! فإنِّي أقولُ لَكُم: إنَّ أنْبياءَ ومُلوكاً كَثيرينَ أرادوا أنْ يَرَوا ما أنْتُم تَنْظُرون، فَلَمْ يَرَوا، وأنْ يَسْمَعوا ما تَسْمَعون، فَلَمْ يَسْمَعوا".

تفسير الإنجيل:
في الأحد الرابع من زمن العنصرة, نسمع الربّ يسوع في إنجيل لوقا, يبتهج بالروح ويشكر الله الآب لأنه آزر التلاميذ الضعفاء في رسالتهم, فنجحوا فيها وعادوا فرحين يخبرون المعلم أن الشياطين كانت تخضع لهم باسمه! ويشكر الآب أيضا, لأنه كشف سرّه للتلاميذ "الأطفال" لا للفريسيين والكتبة "الحكماء والفهماء".

ويشدد الرسول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس, على التمييز بين الإنسان الروحانيّ والإنسان الأرضي, داعيا المؤمنين إلى السير بهدى الروح.

من خلال هذه القراءآت نتوقف هذا الأحد حول بعض الأسئلة: هل نترك الله يُظهِرُ لنا حقيقته وحكمته كأطفال أحباء؟ أم ندّعي أننا حكماء وفهماء نسير بحسب ما هو أرضيّ فينا ؟

في نصِّ هذا اليوم, يكشف الرب يسوع لنا عن سرٍّ عميق عندما صلى علنا, شاكرًا الله على نجاح مهمّة المرسلين. هذا السر هو أنّ الله أعطى يسوع كلّ السلطات, وبالتالي أنه رسول الآب وممثله الأوحد القادر على إعلان كلمته وإرادته في هذا العالم. فهنيئا للرسل الذين حصلوا على هذا السّر.

واجه يسوع في حياته الرسولية, الكثير من الإعتراضات, ودائما من قِبل القادرين على التفسير والشرح. فكلّ الإنجيليين نقلوا إعتراضات من كانوا يعرفون الشريعة, وكانوا يظنون أنهم يملكون البراهين لرفض ما يبشّر به, وإيقاعه في الأفخاخ المنطقـيّـة, والتشكيك بأقواله وأعماله ... وحدها الجموع هي التي سمعت واندهشت ومجّدت.

إستقبله الناس العاديّون, من خطأة ومرضى وأطفال وصيّادين وعشّارين وعناصر ميليشيات ... مريم ويوسف كانا من الناس العاديين, من ضيعة بسيطة, ويسوع نفسه كان نجارًا إبن نجّار ... يبقى العِلم والذكاء والمعرفة والمقدرة على البرهان, وسائل مهمّة جدًا للبشرية. فالحكمة من مواهب الروح القدس. لكن, نجد أنّ يسوع يستنتج من خبرته في حياته الأرضيّة, كما سيستنتج الرسل في رسالاتهم المتعدّدة, أنّ الآب أخفى هذه الأشياء عن الأذكياء, المتـّكلين على ذكائهم ومنطقهم, وكشفها للصغار, القادرين على الإنفتاح على روح الله والتعلم منه.

إن كانت صلاة يسوع هذه إنعكاسا لوضع الجماعات المسيحيّة الأولى, فهي تبقى مُعبِّـرة لجماعات عالم اليوم, التي ترى عظمتها في العلم والتقدم التكنولوجي والثقافي, متناسية عظمة الإتفتاح على العالم الأبدي, عالم الآب. إنّ الله محبّة, ويمكن لكلّ محِبّ أن ينفتح عليه ويعرفه. ولن يتمكن أحد من الوصول إلى جوهر الله بالوسائل البشرية وحدها, والمنطق البشري وحده. لن ندرك عمق هذه التعاليم إلا إذا تتلمذنا ليسوع الذي يعرف كلّ شيء, وهو وحده القادر على إيصالنا إلى الآب. فلنصغ إلى همسات روحه في قلوبنا بالصمت والتواضع, ولنشكر الآب على محبته اللامتناهية رغم ضعفنا.

أيها الآب السماوي, يا من حَسُنَ لديه أن يظهر خفاياه للأطفال والبسطاء, نشكرك يا من أرسل لنا إبنه الوحيد, سرِّ أبيه وصورة جوهره. نمجِّدُكَ يا من خلـّصتنا بتقديم إبنه الحبيب, حمل الله الوديع, ذبيحة عنـّا وتكفيرا عن خطايانا.